"ليبانون ديبايت" – المحرر السياسي
إعتبَرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل برئاسة القاضية جويل فواز بوجود مخالفات قانونية في مرسوم التشكيلات القضائية الأخيرة، وجاءت تلك الاستشارة غير المُلزمة، ردّاً على طلب تفسير نصٍّ قانوني، كانت قد تقدَّمت به وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر حول مدى قانونية عدم تطبيق مجلس القضاء الأعلى للمادة 13 من قانون القضاء العسكري والتي تنصُّ على أنَّ القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية يُعيَّنون من قضاة الملاك العدلي، بمرسوم بناءً على اقتراح وزيرَي العدل والدفاع الوطني وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.
وأنَّهُ بموجب القانون، تُعرَض الاستشارات الصادرة عن هيئة التشريع والقضايا على مدير عام وزارة العدل قبل إيداعها مرجعها المختصّ، سيما وأنَّهُ يحقُّ للمدير العام طلب إعادة النظر فيها بعد بيان الأسباب.
بعد إحالة الاستشارة الى مكتب مدير عام وزارة العدل القاضية رولى جدايل، طلبت الأخيرة إعادة النظر بالاستشارة التي تضمنت إيضاح الأصول القانونية والتسلسل الزمني والاداري المرتبط بتعيِّين القضاة العدليين في المحاكم العسكرية في ضوء المادة 13 من قانون القضاء العسكري.
وبنتيجة طلب إعادة النظر، تحوَّلت الاستشارة أمام الهيئة الاستشارية العليا للبتِّ بها بشكل نهائي، حيثُ تألّفت الهيئة هذه من القاضية رولى جدايل رئيسةً، وعضوية القاضية هيلانة إسكندر والقاضية ندى دكروب.
وأصدرت الهيئة الاستشارية العليا رأيها الاستشاري (بتوقيع قاضيَيْن من ثلاثة) معتبرةً أنَّه منذ تعديل المادة 5 من قانون القضاء العدلي، لم يَعُد لوزير الدفاع أيّ دور فيما يتعلَّق بمناقلات القضاة العدليين وإلحاقهم وانتدابهم في المحاكم العسكرية.
وبعد تسريب الرأي الاستشاري للهيئة الاستشارية العليا، أوضح مَرجع قانوني لـ "ليبانون ديبايت"، أنه "في العام 1968 صَدَر قانون القضاء العسكري رقم 24 الذي نظَّمَ أجهزة القضاء العسكري من محكمة تميِّيز عسكرية ومحكمة عسكرية دائمة وقضاة عسكريين منفردين، كما نظَّمَ النيابة العامة العسكرية وقضاة التحقيق العسكرية وكلّ ما له علاقة بالقضاء العسكري الذي يُعتبر قضاء استثنائي".
وتابع المَرجع القانوني أنَّ "المادة الأولى منه أعطت لوزير الدفاع الوطني جميع الصلاحيات المُعطاة لوزير العدل تجاه المحاكم العدلية. فجاءت المادة 13 منه لتكرِّس الصلاحيات هذه، عبر تَمتّع وزيرَي العدل والدفاع الوطني بحقِّ الإقتراح "لتسمية" القضاة العدليين لدى القضاء العسكري، وبعد مرافقة مجلس القضاة الأعلى. على أن يبقى هؤلاء القضاة خاضعين لنظامهم وتابعين لوزارة العدل في كل ما يتعلَّق برواتبهم وترقيتهم وتأديبهم وإعادتهم الى القضاء العدلي. أي أنَّه بالنسبة لتعيِّينات القضاة العدليين في المحكمة العسكرية هناك آلية قانونية تبدأ بإقتراح وزيرَي الدفاع الوطني أسماء هؤلاء القضاة ويُرفع الاقتراح الى جانب مجلس القضاء الأعلى للموافقة عليه أو رفضه، وفي حال الموافقة يَصدر مرسوم مستقلّ ( وليس ضمن تشكيلات قضائية) يُنقل بموجبه هؤلاء القضاة من القضاء العدلي الى القضاء العسكري، غير أنهم يبقون خاضعين لنظامهم وتابعين لوزارة العدل في كل ما يتعلَّق برواتبهم وترقيتهم وتأديبهم. ولإعادة القضاة من القضاء العسكري الى القضاء العدلي يجب اعتماد الإجراءات عينها".
في العام 1983 صَدَر قانون القضاء العدلي بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 150، فهل عدَّل هذا المرسوم أحكام قانون القضاء العسكري لناحية تعيين القضاة العدليين في المحاكم العسكرية؟ وبالتالي هل أصبح تعيين القضاة العدليين في المحكمة العسكرية يتمُّ ضمن مرسوم التشكيلات القضائية دون إحترام أحكام قانون القضاء العسكري؟
بحسب المرجع القانوني، فـ "إن الجواب على هذا السؤال جاء واضحاً في "قانون القضاء العدلي"، إذ نصَّت المادة الأولى منه على أنه كمرسوم اشتراعي وُضِعَ ليُنظِّم القضاء العدلي في خمسة أبواب تتضمَّن الأحكام المختصة بمجلس القضاء الأعلى، والتنظيم القضائي، ونظام القضاة، وتنظيم التفتيش القضائي، ونظام المساعدين القضائيين. وبالتالي فإنَّ قانون القضاء العدلي جاء ليُنظِّم القضاء العدلي والمحاكم العدلية وليس القضاء العسكري والمحاكم العسكريّة بصراحة المادة الأولى منه. وبالتالي فإنَّ جميع أحكامه تناولت المحاكم العدلية؛ فيكون القول أنَّ مشروع التشكيلات القضائية يَضعه مجلس القضاء الأعلى وفق المادة 5 من قانون القضاء العدلي صحيحاً، إلّا أنَّ هذه التشكيلات تتعلَّق حصراً بالمحاكم العدلية وفق صراحة المادة الأولى منه والتي حدَّدت نطاق تطبيق هذا القانون ولا تتعلَّق بالمحاكم الاستثنائية كالمحكمة العسكرية".
وأضاف المرجع القانوني أنه "في الخُلاصة إنَّ القول بأنَّ قانون القضاء العدلي الصادر في العام 1983 قد عدَّل قانون القضاء العسكري الصادر في العام 1968 كونه القانون الأحدث، هو قول خاطئ وغير قانوني إذ أنه من جهةٍ أولى، فقانون القضاء العدلي وفي المادة الأولى منه، حصر نطاق تطبيقه بالقضاء العدلي والمحاكم العدلية فقط دون "القضاء العسكري".
ومن جهةٍ ثانية، فـ "إنَّ أيّ تشريع حديث لا يمكنه إلغاء أيّ نصٍّ وَردَ في قانون إستثنائي كقانون القضاء العسكري، ما لم يكن التشريع الحديث هذا قد جاء واضحاً ومحدَّداً لجهة نصِّ التعديل أو الإلغاء، لا أن يكون مبهماً وعاماً. أي أن يكون التشريع الّلاحق يَنصُّ على أحكام تتناول التشريع السابق ومواطن الإلغاء فيه؛ وإن إدراج في التشريع الحديث (كقانون القضاء العدلي) عبارات "كل أحكام مخالفة" أو غيرها في المعنى نفسه، تَسري على القوانين العادية دون الاستثنائية منها (كقانون القضاء العسكري).
وأعرب المرجع القانوني عن قناعته الراسخة أنَّ "ما يعزِّز هذا التفسير القانوني هو أنَّ قانون القضاء العسكريّ لم يَحصر تعيين مفوّض الحكومة من قضاة ملاك القضاء العدلي، بل نصَّ صراحةً في المادة 11 منه، أنه يُمكن أن يقوم بوظيفة معاون مفوّض الحكومة ضابط أو عِدَّة ضباط من المجازين في الحقوق، على أن لا تَقِلّ رتبته عن رتبة نقيب وما فوق؛ ينتَّدِب العسكريين منهم وزير الدفاع الوطني لهذه الغاية وفقاً لاحكام المادة 14 اي بموجب قرار صادر عن وزير الدفاع ".
إزاء ما تقدَّم، ثَمَّة تساؤلات عدَّة تُحيط بمرسوم التشكيلات القضائية والاستشارات الملحقة بها، فهل أنَّ كلَ ما يحصل من كباشٍ قضائي في البيت الواحد والتناحر السياسي الظاهر بين حلفاء الأمس، ينطوي على معركةِ إستقلال القضاء؟
أم أنَّ ذلك يخفي بدايةً لمرحلةِ إنقلابٍ مبطَّنٍ، تبدأ على عتبةِ تشكيلاتٍ قضائية غير بعيدة عن تكتلاتٍ سياسية ستطيح بكلِّ التفاهمات وبالحلفاء التقليديين؟ أم أنَّه في السياسة والقضاء هناك مَن ينتَهز فرصة تولِّي سيدتَين لوزارَتيّ العدل والدِّفاع، ليمرِّر مشروعاً تَنضحُ منه مكاسبَ تَصبُّ في مصلحةِ فريقٍ يأثَر السيطرة؟
وما هو مصير إستشارة قانونية موقَّعة من قاضيَيْن دونَ ثالثهما المكمِّل لشرعية وقانونية هيئة قضائية، وما تأثير ذلك على قيمة الرأي القانوني الذي صَدرَ بتوقيع قاضيَيْن منهم فقط؟
وهل أنَّ أيّ تشريع لاحق ينهي العمل بأيِّ تشريعٍ إستثنائي سابقٍ دون أن تتناول نصوصه أحكام واضحة للإلغاء أو أقلّهُ قواعد جديدة تبعاً لحذف القديمة منه؟
من سيَدفعُ الثمن؟ الذي يغامِرُ بهيبةِ المؤسَّسات الدستورية وبمَصير البلد... أم الشَعب اللبناني!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News