"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل
لائحةُ "وجع رأس الحكومة" طويلة. في الساعات الماضية أُضيفت إليها جرعةٌ زائدةٌ من التشنّجِ الذي كرّس المتاريس المرتفعة بين الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل مع رئاستيّ الحكومة ومجلس النواب بعد إقرار مجلس النواب آلية التعيينات والتي يفترض أن تجد ترجمتها على طاولة مجلس الوزراء...
زايدَ ميشال عون على المطالبين بآلية تحصرُ اختيار موظفي الفئة الأولى بلجنة وليس بوزير حين قال لهم: "فرض آلية للتعيينات في وظائف الفئة الأولى مخالف للدستور، ولذلك تريدون آلية فلتقرّ بقانون!".
على مدى حكومتيّ العهد الأولى والثانية وقف عون جهارًا ضد تكبيل الوزير بآلية تعيينات، وحاول حشر المزايدين عليه برفع السقف مقترحًا تعديل القانون للذهاب نحو خيار الآلية. وهذا ما حصل في جلسة "الاونيسكو" يوم الخميس مع إقرار القانون المقدّم من نائب "القوات" جورج عدوان، إلا أن عون لن يسكت حيث سيتوجّه نواب "التيار" للطعن به أمام المجلس الدستوري.
سبقه الى إعلان النفير العام رئيس التيار الوطني الحر بـ "تصويب" ما سبق أن التزم به شخصيًا رئيس الجمهورية، مؤكّدًا أن إقرار آلية للتعيينات بقانون هو مسّ بالدستور وصلاحيات الوزير، مشيرًا الى "أن الكفاءات ترفض أحيانا الخضوع للإمتحانات".
عمليًا، تبدو الحكومة أمام معركة قد تكون الأشرس تتجاوز بحساسيتها ملفّات عدة خصوصًا ان اعتماد الآلية من عدمه سيحكم ما تبقى من ولاية رئيس الجمهورية، وهو الكباش الذي سيسيطر على خط جبهة بعبدا-عين التينة-السراي حتى إشعار آخر. مع العلم أن حكومة دياب كانت شكّلت لجنة لإعادة درس آلية التعيينات، ويفترض أن تطرح الخميس المقبل على طاولة مجلس الوزراء.
وللمفارقة، هو مأخذ آخر يسجّله "التيار البرتقالي" على حليفه حزب الله بمساندته محور المناوئين للعهد عبر الانضمام الى الفريق المؤيّد لنزع صلاحية اقتراح الأسماء المرشّحة للتعيين في وظائف الفئة الأولى من يدّ الوزير، فيما آلية الوزير السابق محمد فنيش عام 2010 شكّلت الامتحان الحقيقي للعصبية الطوائفية وذهنية المحاصصة التي بقيت مسيطرة طوال عشر سنوات على اختيار أزلام السلطة في الادارات العامة.
وفق القانون المقرّ، باتت تهمة تجاوز الدستور باطلة، بعدما عُدّل القانون الذي كان يتيح للوزير رفع الأسماء الى مجلس الوزراء. هي آلية باتت إلزامية للحكومة، وتمنع الوزير من اقتراح أي إسم خارجها، والقفز من فوقها من الآن وصاعدًا يُعدّ مخالفة للقانون. باختصار، طارت الخيمة من فوق رأس أزلام السلطة... لكن العبرة في الالتزام والتنفيذ، إلا إذا سقطت الآلية إما بالقضاء أو بالسياسة!
ما عُدّ انتهاكًا لصلاحية الوزير في المقلب العوني صُنّف "انتصارًا" لدى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي تساوى مع حزب الله في الدفع باتجاه سحب فتيل التسييس من التعيينات بترك القرار للجنة ثلاثية فاحصة، مع العلم أن الجهد النيابي في ذلك يعود بشكل أساس للقوات في إعداد القانون الذي يتوّجه العونيون للطعن به أمام المجلس الدستوري.
عمليًا، تخلّى "تيار المستقبل" و"حركة أمل" تحديدًا عن ورقة ذهبية كانت تتيح لوزرائهم تنفيذ تعليماتهم في اختيار الرجل "المطلوب" في الموقع "المعروض".
تجزم مصادر موثوقة أنّ هذا الخيار أتى في سياق "زَرك" عون وباسيل أكثر بكثير مما هو "توبة" عن ارتكابات الماضي ونية بإصلاح المسار، خصوصًا أن معارضة العونيين لخيار الآلية، بحجة سحب الصلاحية من يدّ الوزير، تبدو ضعيفة جدًا أمام المكاسب من اعتماد آلية يفترض ان تُبعِد التعيينات عن المحاصصة والتسييس والمحسوبيات والولاء لتحصرها بأصحاب الكفاءات فقط، وهو ما يعدّ إنتصارًا لمنطق الادارة العامة النظيفة وكسرًا لأحد أهمّ أدوات السلطة في إدارتها لـ "العشيرة"!
لكن هل ستنجح حكومة دياب بتطبيقها؟ وهل تكون نقطة الانطلاق من التعيينات المالية العالقة وتلك المتعلقة بمديريّ عام الاقتصاد والاستثمار في وزارة الطاقة ورئاسة مجلس الخدمة المدنية؟
عَكَس تأجيل بند التعيينات في جلسة مجلس الوزراء الرغبة بتأجيل مشكل بوجود أولًا قانون أقرّ لتوّه في مجلس النواب وعارضه رئيس الجمهورية، وبوجود آلية تعيينات "نَفَضت" عنها لجنة وزارية الغبار وقرّرت اعتمادها أيضاً كخيار حكومي لاختيار موظفي الفئة الأولى، إضافة الى وجود خلاف حول الأسماء المطروحة لأكثر من موقع. وقد أكّد إعلان وزيرة الاعلام عقب مجلس الوزراء أن جلسة الخميس المقبل ستبحث في الآلية الأفضل لاعتمادها في التعيينات وليس إقرار أي تعيينات بأن التوافق السياسي لم يتأمّن بعد لبتّ سلة التعيينات العالقة.
وتؤكد مصادر مطلعة في هذا السياق أن التعيينات المالية ستحسم بعد نحو أسبوعين، لكن خارح الالية التي تمّ إقرارها في مجلس النواب كون هناك اتفاق سياسي مسبق بعدم خضوع هذه التعيينات لأي آلية بحكم الوقت الضاغط، فيما تمّ تقديم سير ذاتية لمرشحين جدد، حيث يتمسّك رئيس الحكومة برفض الأسماء التي طرحت في الجلسة التي تمّ خلالها تعليق التعيينات معتبرًا أنها "لا تشبهه".
ووفق مصادر رئاسة الحكومة "هناك إلتزام حكومي بتطبيق الآلية وهي مطلب إصلاحي جوهري بالنسبة للرئيس دياب، وإذا أقدم نواب على الطعن بالقانون فسيكون هناك تريّث بانتظار قرار المجلس الدستوري، لكن المبدأ الأساس هو رفض أي تعيين على أساس الولاء والمحاصصة بعيدًا عن الكفاءة".
وفيما أخذ على رئيس الحكومة تبنيه ترشيح القاضية رندة يقظان لرئاسة مجلس الخدمة المدنية كونها أحيلت سابقًا الى التفتيش القضائي، فإن المعطيات تفيد أن دياب أولى اهتمامًا خاصًا باختيار الشخص المناسب لمركز يتبع إداريًا لرئاسة مجلس الوزراء ويكتسب أهمية خاصة لدوره المقبل كجهاز رقابي في المشاركة في اختيار الموظفين الأكفأ في إدارات الدولة.
ويبدو أن هناك إصرارًا، وفق المعلومات، من جانب رئيس الحكومة على إسم القاضية يقظان بسبب تأكّده بعد سلسلة اتصالات قام بها بما في ذلك مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود بأن هناك ظلمًا لحق بالقاضية المذكورة وبأن ملفها نظيف ولو كان هناك اي تحفظ أو مأخذ عليها لما كانت ستبقى في موقعها قاضية للتحقيق في جبل لبنان.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News