المحلية

السبت 30 أيار 2020 - 09:01

هَل تَنفجرُ سُنياً؟

هَل تَنفجرُ سُنياً؟

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

الخلاف حول قضية التمديد لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار بين رفض وقبول تسلك طريقها نحو تمهيد الارضية لنشوء صدام سياسي داخلي سُني - سُني، نحسب أن درجته ستكون مرتفعة عطفاً على العلاقات "المتخلخلة" بين المرجعيات الشماليّة، وعلى الأرجح أن لقاء رؤساء الحكومات السابقين سيكون على رأس قائمة الضحايا.

وفقاً لما يتفرّع عن الاشتباك الحاصل الآن، تنطوي على المسألة قضايا ذات بعد سياسي خلافي عميق، لا يقتصر الامر على مسألة موقع لمرجع ديني وحسب، بل أن للامر صلة بطموحات وإنتقامات سياسية متعددة الرؤس.

حين طُرحَ التمديد للشعّار إنقسم "سُنة الشمال" إلى فريقين إثنين، واحد يجد مصلحة في التمديد استثنائياً ولمرّة واحدة وآخر يسعى إلى إدخال تعديل على دار الافتاء. في الواقع، ان الخلاف جذوره سياسية وفي الأصل له صلة بترتيب الميدان مع إقتراب موعد الانتخابات. في الوقت نفسه لا يُمكن فصله عن التنافس السياسي الدائر مع تيار المستقبل.

ولدرء ما يُمكن أن يحدث بفعل إرتفاع درجات الاحتقان السياسي على خلفية التمديد دخلت الوساطات لتأمين خروج آمن للمفتي الشعار من دار الافتاء وإحالة الصلاحيات إلى أمين الفتوى الشيخ محمد امام نزولاً عندَ قرار سابق لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، لكن الوساطات لغاية الآن تصطدم بإصرار الشعار المرتكز إلى دعم سياسي عريض مصدره تيار المستقبل على بقائه في موقعه.

حتّى الآن إمكانية التوافقِ على حلّ يرضي الجميع شبه منعدمة بفعل تحوّل الخلاف المرجعي الديني إلى نزاع مستفحل سياسي الطابع يحاول كل المتصارعون تقريباً تسجيل النقاط فيه، والأنكى أن نُذر الخلاف القاسي بدأت تتمدد بإتجاه العلاقات داخل الإجتماع الديني السنّي ما يهدّد بإصابتها بأضرار جسيمة، والخشية الأكبر أن تطالَ شظاياها العلاقات الثنائية بين المراجع السنّية وهذا الأخطر.

إلى حدٍ ما يُمكن القول أن إقتراحَ التمديد للشعار لولايةٍ إضافية اختمر ولا ينقصه سوى تأمين عبوره بأقل أضرار ممكنة. تيار المستقبل متهمٌ بالوقوف خلف الاقتراح وإنضاج ظروفه، ولأجل ذلك أوعزَ إلى النائب ديما جمالي البدء بتسويقه. الفريق المقابل يعترض بشدة، يتكوّن من تفاهم معقود بين كل من رئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي والوزيرَين السابقين فيصل كرامي وأشرف ريفي وآخرين. يطرح هؤلاء حلاً يقضي بتطبيق مضمون قرار المفتي دريان الصادر بتاريخ كانون الاول الفائت الذي حدّد مهلة 31 أيار الجاري نهاية لولاية الشعار الممددة.

قبل أيام، أبلغَ رئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي أنه سيكون له موقفاً حال المضيّ في توفيرِ ظروف التمديد للشعار من خارج الرأي العام الغالب لدى العموم في الشمال، وقد شهدَ اليومَين الماضيين ارتفاعاً في مستوى "التسخين" في الشارع. ما يُكسب كلام ميقاتي الاهمية فضلاً عن كونه نائب وازن ضمن القضاء، تلويحه بنقض التفاهم السياسي مع تيار المستقبل على إعتبار أن أي خطوة من هذا النوع ستؤثر سلباً على حضور ميقاتي إلى جانب التيار.

أول الضحايا سيكون على الأرجح لقاء رؤساء الحكومات السابقين الذي يُعد ميقاتي ركناً أساسياً فيه. ليس سراً أن رئيس تيار العزم ومنذ مدة خفف من تنسيقه مع أركان اللقاء نتيجة التباينات مع الرئيس سعد الحريري تحديداً، وهذه كانت اشارة في معرض الخلاف حول دار الإفتاء. كان يؤمل أن يتلقفها الحريري ويُسارع إلى ترتيب الأجواء حفاظاً على تركيبة تتولى مهمة مراقبة الرئيس حسان دياب والتنغيص عليه وله مصلحة فيها، لكن بدلاً من ذلك أوعزَ السير قدماً في التمديد للشعار في تجاهلٍ واضحٍ للاوزان.

هذا التوجه رتّب على ميقاتي إعادة صوغ حضوره لدى "اللقاء" على نحوٍ مختلف. الوجوه الباقية في المجموعة تلوذ بالصمت وفق مبدأ "يا داخل بين البصلة وقشرتها..." فيما اللواء أشرف ريفي الذي أحال إدارة الملف إلى ميقاتي تركَ أنصاره يتلذذون في جلد الحريري والشعار على منصات مواقع التواصل.

الفريقُ المعارض له نظرة اخرى في الأسباب التي تقود المستقبل إلى معاكسةِ الرأي الغالب لدى السّنة في الشمال. يأخذ الموضوع برمته باتجاه مصالح سياسية. الانتخابات النيابية المقبلة على رأس لائحة المتهمين. ثمة شكوك حول إعلاء المستقبل شأن الانتخابات قبل عامين من موعدها والحديث يدور عن وجود إتفاق ثنائي ضمني بين الشعار والمستقبل، يؤمن عبره الأول التحشيد الشعبي للثاني في ما يتكفل الأخير تغطيته ودعمه.

ثمّة سبب إضافي لتكتل الشعار - المستقبل وتشدد الأخير في رفض التغيير وإرساء التمديد، له صلة بالارباك الذي يُعاني منه التيار الأزرق على صعيد الشمال. في الغالب يعتبر التيار ان لا مصلحة له الآن في ترك موقع الإفتاء وتقديمه إلى الخصوم المفترضين وخسارة نقطة مهمة لمصلحتهم، واتاحة المجال أمامهم لتنصيب من يجدونه مناسباً لموقع يرى المستقبل انه يذرّ الفوائد السياسية لمن يشغله واستطراداً لصالح طرف سياسي ما. وضع مماثل في جوّ غير مضمون سينعكس حكماً بطريقة سلبية على حضور التيار.

لكن لتيار المستقبل رواية أخرى، يخالف اولاً الاعتقاد القانوني السائد حول عدم جواز التمديد لكونه ينطبق على شخص يُنتخب لا يُعين بدليل التمديد سابقاً، وثانياً يعتبر أن الظروف الحالية غير مؤاتية لاجراء إنتخابات. وطالما أن الموقع مهدد بالفراغ، فالحل بالتالي هو التمديد لفترة ما تُستتبع بانتخابات عامة فور تهيئة الظروف المناسبة، مع اتهامه المعارضين بأنهم جعلوا من القضية برمتها منطلقاً لتصفية الحسابات والخلافات السابقة مع المفتي وإستطراداً مع تيار المستقبل وعدم تحويلهم المسألة إلى معركة سياسية بقصد سلبه موقعاً ومن ثم تظهير ذلك على أنه إنتصار على التيار واستخدامه لاحقاً في الدعاية الشعبية. هنا بالضبط يكمن موقع القتال السني - السني.

إنعدام الثقة بين تيار المستقبل وخصومه السياسيين على الساحة الشمالية يعد أحد الاسباب للاشتباك الحاصل. ثمة خشية لدى الفريق المعارض في كون التمديد إن حصل سيدوم لفترة لا تقل عن السنتين، ما يعني صراحةً أن الغاية تمرير الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة والشعار على كرسيه، هذا بحد ذاته قرار لا يُمكن القبول بفرضه على المرجعيات التي ستتعامل معه على أنه إنتداب صريح لموقع ديني عام.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة