"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل
لا مجال لحجبِ النكسة التي أُصيبت بها قوى "الثورة" في موقعة السادس من حزيران. فشلٌ في الحشدِ والتجييش رغمَ تفوّق لائحة المطالبِ المعيشية والاقتصادية والسياسية على مطلب نزع سلاح حزب الله، ارتفاع المتاريس المذكّرة بالحرب الأهلية، ووجوه بدت "مستوردة" من معامل "تصنيع" الشغب الى ملعب الفتنة والتخريب... كلها عوامل وُضِعّت بتصرّف الحكومة لتعطيها فرصة جديدة و"تطوّل من عمرها" في سياق السباق نحو إحداث خرقٍ في جدار الأزمة.
لم يخرج مشهد "سبت 6/6" عن التوقّعات المرسومة من قِبل الأجهزةِ الأمنية. فقبل أيام من ساعة الصفر تأكّدت مقاطعة قوى أساسية في الانتفاضة فضّلت إمّا قول كلمتها قبل يوم واحد أو الإنكفاء في منازلها، ومن هؤلاء شريحة هي الأكبر من مواطنين لا ينضوون تحت سقف مجموعات الحراك، وقد سلّمت إمّا بضرورة تمديد مهلة السماح للحكومة وإمّا عدم ثقتها بالجهات الداعية للتظاهرة.
وفي مقابلِ مشاركة شعبية خجولة لمتظاهرين راهنوا على نجاح التحرّك وبعض قوى الحراك المنبثقة من 17 تشرين، برزت مجموعات منظّمة أتت من البقاع والشمال محسوبة بشكلٍ أساس على الوزير السابق أشرف ريفي وبهاء الحريري صبغت التظاهرة بـ "لونها"، مع غياب شبه تام لتيار المستقبل وحضور مدروس وغير استفزازي للأحزاب المسيحية المعارضة، ومشاركة دون المستوى لمجموعات "حزب سبعة" و"أنا خط أحمر" بوصفها واجهة التظاهرة...
الأمرُ المؤكّد أن بعض قوى السلطة نجحت في "تفخيخ" التظاهرة بتكبيرِ حجر مطلب نزع السلاح، ما قادَ الى تفريغِ التحرّك من مضمونه بالكامل وحوّله الى مسلسلٍ من الشغب لامسَ الخطوط الحمر في أكثر من منطقة.
ومن هذا المنطلق، رَسّمت كل من "القوات اللبنانية" و"الكتائب" الحدود مع مطلب نزع السلاح فردّ الحزبان الطابة الى ملعب "حزب الله" واللاعبين على هذا الوتر بنزع بند السلاح من جدول نهار "النزلة" الى وسط بيروت.
وبرأي مطلعين، الرسالة المسيحية على خط عين الرمانة-الشياح كانت الأكثر حساسية وأهمية باعتبارها ورقة قابلة للاستغلال وقد تكون معبر معراب تحديداً للتخاطب مع المجتمع الدولي وتذكيره، وإن عبر خط تماس الحرب الأهلية، بأن السلاح هو سبب كلّ علّة، وعنوان مفتوح على الفوضى بأي لحظة ما يبرّر طلب النجدة دوليًا!
لكن خطورة استيقاظ الحساسيات الطائفية والحزبية على هذا المحور استدعى، وفق المعلومات، اتصال أحد مسؤولي حزب الله بمسؤول في "القوات" جرى خلاله التأكيد من جانب الأول على عدم وجود ايعاز أو قرار حزبي بإحداث توتر على خط عين الرمانة والجزم "بعدم تغطية حزب الله للزعران والمخرّبين والعابثين بالسلم الأهلي ولأي عمل يمكن أن يندرج في إطار التعبئة الفتنوية".
وفي السياق نفسه، يؤكّد مطلعون أن سلسلة الردود الشاجبة للاساءات التي طالت السيدة عائشة أمّ المؤمنين، ومن ضمنها بيان حزب الله غير المسبوق، امتدت لتشمل اتصالات من مسؤولي حزب الله بقيادات "تيار المستقبل" بهدف الاستنكار والتبرّؤ من العاملين على خط الفتنة السنية والشيعية، مع العلم أن خطوط التواصل بين الطرفَين بقيت مفتوحة طوال يوم التظاهر حتى الفجر.
يقول مصدر أمني بارز "في ظل استنفار عناصر "حركة أمل" على الأرض والساحة السنية غير المٌأتمِرة بمرجعية واحدة مع وجود مجموعات خارجة عن سيطرة "تيار المستقبل"، بدا حزب الله يوم السبت الطرف الأكثر حرصًا على منع وقوع الكارثة، بالتنسيق مع الجيش والقوى الأمنية التي عملت وسط حقل ألغام حقيقي".
على خطّ موازٍ، فإن السيناريو الأمني المتنقل بين محاور ساحة الشهداء-الخندق الغميق والطريق الجديدة-البربور والشياح- عين الرمانة وخط عينة التينة وخط مجلس النواب وسيناريو قطع الطرقات في المناطق بدت الأجهزة الأمنية متحسّبة له بالكامل الأمر الذي ساهم، بتأكيد مصادر أمنية، بإطفاء أكثر من نقطة اشتعال بسرعة وبحِكمة ما مَنعَ تفلّت خطوط التماس بما كان يمكن أن يقود الى خروج الأمر عن السيطرة.
وفي هذا الإطار، لم يكن إعلان الجيش عن توقيف سوري وفلسطيني وسودانيين شاركوا في أعمال الشغب والاعتداء على الأملاك العامة مجرد تفصيل في ظل إتكاء بعض المجموعات المتحمّسة للشارع، تحديدًا تلك المحسوبة على بهاء الحريري وريفي، على زنود مجموعات مختصّة بأعمال التخريب والاعتداء على الأملاك العامة وعلى فئة من غير اللبنانيين لفرض الفوضى الشاملة كمعبر للتغيير الحكومي والاقتصاص من حزب الله.
وفيما شَهِد محور بربور-الطريق الجديدة أعنف مواجهاتٍ استمرت لساعات وتخلّلها إطلاق نار بشكل كثيف بالاتجاهين واتصالات مع حزبيين وزعماء أحياء لتهدئة الأوضاع تشير مصادر مواكبة الى أن هذا الأمر كان يمكن أن يؤدي الى فتح باب الفوضى، وبالتالي فإن الجيش ملزم بالحسم بشكل أكبر مستخدمًا حتى آلياته العسكرية لتطويق العناصر المتفلّتة ومنع تكرار التلاعب بالخطوط الحمر.
لكن ما هي خلاصة "السبت الفاشل"؟
بين 17 تشرين وما تلاه من موجات شعبية أسقطت حكومة سعد الحريري وبين السادس من حزيران تاريخ "تعويم" حكومة حسان دياب ترتسم معالم مرحلة أشدّ قساوة في ظل وضع مالي اقتصادي لا يزال "يُصورِخ" نحو الهاوية وشارع قابل للإنفجار بكافة خطوط تماسه!
الحكومةُ من جهتها، تبدو محصّنة بمتراسَين أساسيَين: عدم وجود بديل عنها وانتفاضة وضعت على الرفّ في ظلّ واقع بدأ يتكرّس قائم على معادلة "الشارع= الفتنة".!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News