المحلية

الأربعاء 10 حزيران 2020 - 08:24

عندما كانت نصيحةُ كنعان بـ "جَملِ عدم الإنهيار"...

عندما كانت نصيحةُ كنعان بـ "جَملِ عدم الإنهيار"...

"ليبانون ديبايت" - صفاء درويش

مَع وصولِ البلد إلى الانهيار الاقتصادي عوامل عديدة كان يمكن تجنّبها، لو لم تُدر السلطة المالية المغطاة من السلطة السياسية آنذاك الأذن الصمّاء للطروحات المالية والاقتصادية البديلة. طروحاتٌ أتى بعضها من خارج السياق المنطقي والقابل للتطبيق، فيما أتت أخرى من ضمن الآلية العلمية للتشخيص التي يُمكن بعدها الولوج نحو الحلول، والتي لو لم يتمّ تجاهلها لكان لبنان بوضعية اقتصادية مالية مغايرة لما هي عليه اليوم.

في السنواتِ الثلاث الأخيرة سُلّط الضوء كثيرًا على عمل لجنة المال والموازنة التي يرأسها النائب ابراهيم كنعان لجهة انجازها قانون الموازنة العامة، وبسرعةٍ في بعض الأحيان. حتى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وفي ذروة خلافه مع التيار الوطني الحر، أعطى كنعان وزملائه باللجنة حقّهم من على منبر المجلس النيابي. اللجنة التي نجح رئيسها وأعضاؤها بتحيّيدها عن الصراع السياسي في البلاد، يبدو أنّها كانت واحدة من الجهات التي تعي جيّدًا مصير لبنان المالي والاقتصادي في ظل السياسات والرؤية الماضية، فماذا لو أُخذ بتوصياتها؟

إحدى عشر توصية خرجت عن لجنة المال والموازنة بعد دراسة معمّقة للواقعين المالي والاقتصادي، بعضها خضعت السلطة للسير به لاحقًا والبعض الآخر لا يزال مثار تجاذبات.
الاستدانة كانت إحدى أكثر مسبّبات الأزمة الحالية، لا سيما وأنّها كانت تحصل منذ تولّي فؤاد السنيورة وزارة المالية بلا دراسات حقيقية ومن دون العودة إلى المجلس النيابي. لجنة المال تمكّنت من سحب المادة 5 من كل الموازنات حيث باتت الحكومة ملزمة بالعودة إلى المجلس النيابي لأخذ موافقته للسير بأي استدانة مشروطة بسد العجز المرتب بالموازنات العامة.

هذا وتمكّنت لجنة المال من توقيف إمرار قوانين البرامج في الموازنات من دون دراسة، وهذا ما كان يحصل سابقًا وتسبّب بهدرٍ كبير. هذه الآلية تنسحب أيضًا على موضوع الجمعيات، فبعد سنوات من نهب كبير للمال العام تحت عناوين جمعيات وهمية بنسبتها الأكبر، بات اليوم إدراج أي مساعدة لأي جمعية مشروط بعملها الاجتماعي الملموس وحيازتها على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية، كجمعيات الأيتام والرعاية الاجتماعية وكذلك تلك المخصّصة لذوي الحاجات الخاصة. ويُذكر بأن أكثر من 700 مليار تخصص لجمعيات من ضمن موازنات عدد من الوزارات، يستفيد منها عدد من "الجمعيات الوهمية".

في الشراكة بين القطاعين العام والخاص أوصت اللجنة بعدم تخلّي الدولة عن ملكيتها مقابل مقاسمتها جزء من الأرباح مع الشركات الخاصة، وهو الأمر الذي يناقض تمامًا ما كانت تسير عليه حكومات سعت لإضعاف معظم القطاعات لإقناع الرأي العام بضرورة خصخصتها.

أمّا التوظيف العشوائي وغير القانوني في عدد كبير من الوزارات والإدارات العامة، تلك المعضلة التي لفتت اليها لجنة المال والموازنة في وقت سابق، وتناولها كل من التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية بتقريرين فنّدا التجاوزات القانونية، ما زاد من العبء المالي لدولة تدنو من الافلاس. ما يزيد عن الـ5000 موظف أُسقطوا بالباراشوت قبل الانتخابات النيابية وبات المسّ أو حتى التحقيق بأمرهم له تداعيات طائفية وربّما أمنية على البلاد!

كل ما كانت توصي به لجنة المال تحديدًا لم يكن يؤخذ به، إلا بعد أن يقع الفأس بالرأس. ميزانية المجالس وحدها كانت لتفي بغرض تجنيب البلاد الانهيار مجددًا! فكانت ميزانية مجالس الإنماء والإعمار والمهجرين والجنوب وسواهم تمر بسطرين أو ثلاث. أمّا اليوم فملزمة تلك المجالس بتقديم دراساتها كي يتم درسها في المجلس النيابي، ولكن ماذا عن التدقيق بما سبق؟ ليس هناك من جواب واضح... الأموال المنهوبة تتضمن كل شيء.

يضاف إلى ذلك توصية للجنة المال والموازنة تعود للعام 2011، لوقف الايجارات للإدارات العامة وجمعها في مكان واحد لتخفيض الكلفة، وتقارب كلفتها 171 مليار ليرة. حينها أوقفت اللجنة نفسها، عقدي ايجار دائرة الاحصاء المركزي البالغة قيمتهما مليار و926 مليون وطالبت بإحالتهما إلى التفتيش المركزي والنيابة العامة المالية، وبلغ قيمة عقد الايجار 11 مليار ليرة سنويا لمبنى غير مستخدم! ولكن، ما هو عدد الإدارات التي جمعت في نفس المكان لتخفيض الكلفة؟ صفر.

في الإطار عينه، وبعد سنوات من تحكّم السلطة التنفيذية بألفي مليار احتياطي موازنة، تخفّضت اليوم هذه الميزانية واشترط الصرف منها بالعودة للمجلس النيابي، فماذا عمّا صُرف سابقًا أيضًا وأيضًا؟!

هنا أيضًا يلتفت أي مدقّق إلى آلية استلام الهبات والتي كانت توضع في حسابات خاصة باتت اليوم تُدرج في الموازنة العامة.

وعليه، أوصت لجنة المال والموازنة بإنشاء لجنة لتقصّي الحقائق تدقّق بكل الملف المالي منذ العام 1993 وحتى العام 2010، كون هذه الفترة لم تشهد أي تدقيق مالي للحسابات.
الأزمة التي وصلنا إليها قد تتضاعف في حال لم تحترم الحكومة الحالية وأي حكومة مقبلة توصيات اللجنة في ما خص الخطة المالية، لا سيما لجهة ضرب القطاع المصرفي وودائع كل المودعين.

يقول رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان أنّهم لو احترموا طوال عشر سنوات توصيات لجنة المال والموازنة لما وصل لبنان إلى ما وصل إليه، محذرًا من ضرب الدور الرقابي للمجلس النيابي لأنه أكثر من ضروري وملحّ.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة