المحلية

الأحد 14 حزيران 2020 - 04:00

"مقاولو الجمهورية": براءة يا علي!

"مقاولو الجمهورية": براءة يا علي!

"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل

لم تذهب "غصّة" المقاول ورجل الأعمال جهاد العرب أمام الكاميرات سُدىً. ملف المتعهّدين ومقاولي الجمهورية سيلحق "رفاقه" من الملفات التي تختزن فسادًا عمره من عمر الحكومات المتعاقبة بعد الطائف.

إثارة إعلامية أمام النيابة العامة المالية والقضاء لا تلبث أن تنتهي بصمت قبور وتطنيش عن المتابعة. ويبدو ان الانهيار الذي زادت وتيرته في الأيام الماضية سيسمح بوضع المزيد من ملفات الفساد على الرفّوف. أصلًا من سيحارب الفساد جديًا في ظل دولة تهرول نحو الكارثة؟

جهاد العرب مقاول الجمهورية الأول، شقيق عبد عرب "ابو كريم" مسؤول أمن الرئيس سعد الحريري، تمتد مروحة مشاريعه منذ 40 عامًا على مساحة 360 درجة من وزارة الأشغال الى مغارة مجلس الانماء والاعمار و"صناديق" الدولة (المهجرين مجلس الجنوب...) والوزارات والنفايات... هو عضو في عدة مجالس إدارة لشركات تسيطر على "بينزس" البلد وتقبض على أنفاسه مع مجموعة من الاستشاريين المحظيين.

أمام قصر العدل دافع العرب بغصّة عن نفسه متحدّثًا عن "التجنّي على الناس"، ورافعًا عنه المسؤولية في جزء من ملف النفايات أحد أكبر ملفات الفساد في تاريخ الجمهورية "الكوستابرافا ليس لآل العرب وأنا لا أملك شيئًا فيه أنا مقاول وأٌحاسب على التنفيذ فقط".

جهاد العرب كان واحدًا من 32 مقاولًا مَثلوا أمام المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بعدما علموا بأمر الاستدعاء من الاعلام.

قاد ذلك الى حصول لقاء تمهيدي بين القاضي ابراهيم ونقيب المقاولين في مكتبه بناء على طلب الأخير الذي تمنّى، وفق المعلومات، أن لا تكون الاستدعاءات جماعية بل بناء على ملفات محدّدة في حال وجود شبهات منعًا "لضرب قطاع المقاولات".

زوبعة الاستدعاءات تقريبًا انتهت. وختمت بمؤتمر صحافي مضاد لنقابة المقاولين عرضت فيه الشكاوى من تراكم مستحقات المقاولين والمهندسين والاستشاريين لدى الدولة اللبنانية، وقدّمت الحلول لتجنّب الإفلاس واستنكرت "التطاول علينا وذلّنا".

في اليوم التالي، تمّ الاستماع لـ 30 مقاولاً يتعاملون مع وزارة الاشغال، فيما استمع القاضي ابراهيم على حدة الى جهاد العرب مالك شركة "الجهاد للتجارة والمقاولات" والمتعهد داني خوري في ملفات وزارة الأشغال وملف النفايات. لا دعوى ولا إخبار في الملف الأخير بل اقتصر تركيز المدعي العام المالي على سؤالهما عن سبب تدني السعر لديهما في طن النفايات مقارنة بـ "سوكلين".

في المعلومات، استدعي جهاد العرب ثلاث مرات لسؤاله عن تلزيمات الأشغال وسوكلين ونفق سليم سلام (حيث هناك شكوى وإخبار من واصف حركة وسالم زهران في شأن النفق). يقول أحد المقاولين "تبيّن في الحصيلة أن لا المدّعي قرأ الملف جيدًا ولا المحقق. فدراسة النفق صدرت عام 2012 والتنفيذ حصل عام 2018، وليس كما ورد في الدعوى بأنه "مشغول مرتين".

أما بقية المقاولين فوجّهت اليهم أربعة أسئلة: تصنيف أعمالهم ( طرق مباني..) التلزيمات الحالية، دفع الضرائب، ورأيهم برفع السرية المصرفية في ظل تأكيد ابراهيم بوجود قرار سياسي بتتبّع حركة الأموال.

وفي شأن السؤال الأخير إستند جواب المقاولين "على عدم التعاطي مع هذا الملف وكأننا حرامية. السرية ترفع عبر هيئة التحقيق الخاصة عند وجود تهرّب ضريبي وشبهات في تبيض اموال فقط، لا أن يتحوّل الأمر الى أداة للانتقام". فكان جواب ابراهيم "لا ملف مسبقًا ضد أحد".

في هذا السياق، استنتج عدد من المقاولين بأن "الدولة تسعى الى لمّ الأموال لتسكير عجز الخزينة وإطفاء الدين العام. وسيكون ذلك عبر الغرف من قطاعات "مشبوهة" فتفتح الملفات لتحقيق هذا الهدف ترهيبًا، وليس فقط بغية الإصلاح. إنّهم يضيّعون البوصلة وسياسة "الريتز" لا تنفع. فليذهبوا الى منابع الفساد الحقيقية. الكهرباء والأملاك العامة والأبنية المستأجرة وفساد الطبقة السياسية والسياسات المالية...فاتورة ملف الدواء وحده السنوية تبلغ 3 مليار ونصف وهي أكبر فاتورة في العالم نسبة الى عدد السكان".

الأرجح، غالبية مقاولي الجمهورية اللبنانية لا يعتريهم القلق وهاجس التوقيف. همّ يدركون في سرّهم ان الطوائف والزعامات لن ترضى بالذلّ لمقاوليها وستحاول صدّ عدوان المحاسبة عنهم، لأنها بذلك تحمي نفسها وباب رزقها المتأتي من مشاريعهم وخيراتهم. لم يعدّ سرًا أن إسم بعض المقاولين اليوم هو رديف حقيقي لطائفة وزعامة. ومن يمسّ بأحدهم يعتدي على "عرض" الطائفة... ويا غيرة الدين!

بالتأكيد، هذا القطاع عبر بعض المتعهدين الكبار والنافذين، راكَم المليارات والثروات و"شَفَط" الشغل من أمام صغار المقاولين والمسترزقين على قدّ الحال، وأشبع وأطعم ودلّل "مرجعيات" الطوائف، وساهم في زيادة منسوب هدر المال العام عبر التلزيمات والتنفيعات الوقحة.

الأسماء معروفة ومفضوحة. شغل النيابة العامة المالية الجدّي أو القضاء المختص يبدأ مع سوق المقاولين والمتعهدين والمكاتب الاستشارية المتعاونة مع صناديق الهدر محصّنًا بـ"ملفاتهم" المبكّلة بالأرقام والأدلة أمام قوس العدالة للتدقيق في ما صُرف خلال 30 عامًا على البني التحتية المهترئة والمشاريع التنفيعية...

فليبدأ القاضي ابراهيم مثلًا من ملف تلزيم مرفأ عدلون النائم في أدراجه منذ سنوات مع أربعة أحكام من مجلس شورى الدولة بدفع الأموال للمتعهد رياض الأسعد بعد اتهام صريح من قبل "الشورى" لوزير الأشغال السابق غازي زعيتر بسوء إدارة ألاموال العامة.

ولمن لا يعلم كان زعيتر ألغى عام 2015 نتائج مناقصة عمومية مفتوحة لتلزيم أشغال مرفأ عدلون، واستبدلها باستدراج عروض محصور ببضعه متعهدين "موصولين" مباشرة بالوزير. فازت بالعقد يومها شركة خوري للمقاولات بقيمة 8 مليارات ليرة، علمًا بأنها كانت قد قدّمت عرضها في المناقصة الملغاة بقيمة 5.5 مليارات ليرة. فيما كانت شركة الجنوب للإعمار للمهندس رياض الأسعد قد قدّمت عرضًا في المناقصة نفسها بقيمة 4.88 مليارات ليرة!!

يقول أحد المقاولين البارزين "نحن لا نغطي الفاسدين. الفساد موجود في كل القطاعات، وهذا القطاع ربما جسمه لبيس، لكن التعميم لا يجوز وحين يكون هناك شبهات فليتحرّك القضاء لكن بعين واسعة تشمل ما هو أبعد من المقاولين".

يضيف هؤلاء "أصلًا ملف المقاولات يحتاج الى قضاء إداري مختص (ديوان المحاسبة)، وليس كل شئ يمرّ عبر المدعي العام المالي. هناك جهل حتّى من قبل مقدّمي الإخبارات في قوانين الصفقات العمومية لمشاريع معقودة بين ادارات الدولة والمقاولين والمهندسي"، معتبرين "أن هذا الملف هو سيف مصلت ويمكن أن تحصل استدعاءات جديدة في المدى القريب، مع العلم أن هناك أسماء "تضوّي" في عالم المقاولات تحوم الشبهات حولها تشكّل 2 او 3 من مجموع المقاولين لكنها تسيطر على 90% من التلزيمات، فيما نحو الف شركة مسؤولة عن 10% من المشاريع".

ويرى مقاول بارز "هذا الملف لن يصل الى مكان طالما لا مادة جرمية واضحة ولا مستندات وأدلة. وإذا كان لديهم جرأة فليفتحوا ملف الزفت السياسي والـ 100 مليون دولار التي صُرفت كتنفيعات من دون فتح اعتماد".

وكان نقيب المقاولين ردّ في مؤتمره الصحافي الأخير على المشكّكين بالقطاع قائلًا "تريدون ان تعرفوا أبن الاموال المنهوبة؟ فتشوا في جميع القطاعات بدءًا بالاعلى صرفًا وليس الأدنى صرفًا من أصل 270 مليار دولار صرفت بعد العام 90 فقط 14 مليار دولار من سنة 1992 الى 2017، 4 ما زالت قيد التنفيذ في مجلس الانماء والاعمار، والمليارات العشرة نفذ بها المطار والموانىء والمدارس المهنية والطرقات وعدة مشاريع ...

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة