المحلية

الجمعة 19 حزيران 2020 - 02:00

"مُقاولو الجمهوريّة": براءة يا علي!

"مُقاولو الجمهوريّة": براءة يا علي!

"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل

لا شئ سيغيّر مسار "ترند" الاستدعاءات في ملفات الفساد أمام القضاء. فضيحة وراء أخرى تبدأ بالإعلام ثم ببعض اللقاءات الودية في مكاتب قضاة من دون متابعة جدية حتى للإدعاءات من الوزن الثقيل. وعليه، ملف المتعهّدين ومقاولي الجمهورية سيلحق "رفاقه" من الملفات التي تختزن فسادًا عمره من عمر الحكومات المتعاقبة بعد الطائف.

والأنكى من ذلك، وبدلًا من استئناف الاستماع الى المتعهدين في أحد أكثر الملفات دسامة في حال قرّرت الدولة العميقة إسترداد أموالها المنهوبة ها همّ المقاولون يحطون في مكتب رئيس الحكومة للبحث في مستحقاتهم العالقة مع المصارف بنتيجة أزمة الدولار. حقّ مشروع بالطبع وقد سبق أن عرض نقيب المقاولين مارون حلو جوانب هذه الأزمة في مؤتمر صحافي عقده قبل نحو أسبوعين، لكن ذلك لا يحجب الإخفاق القضائي المستمر في تتبّع "الوباء" المستشري في ملفات الفساد المفتوحة على... التستير!

إثارة إعلامية أمام النيابة العامة المالية والقضاء لا تلبث أن تنتهي بصمت قبور وتطنيش عن المتابعة. ويبدو ان الانهيار الذي زادت وتيرته في الأيام الماضية سيسمح بوضع المزيد من ملفات الفساد على الرفّوف. أصلًا من سيحارب الفساد جديًا في ظل دولة تهرول نحو الكارثة؟

لقاء تمهيدي بين المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم ونقيب المقاولين بناء على طلب الأخير سبق استماع ابراهيم الى 32 مقاولًا. خلال اللقاء تمنّى الحلو، وفق المعلومات، أن لا تكون الاستدعاءات جماعية بل بناء على ملفات محدّدة في حال وجود شبهات منعًا "لضرب قطاع المقاولات".

زوبعة الاستدعاءات تقريبًا انتهت. وختمت بمؤتمر صحافي مضاد لنقابة المقاولين عرضت فيه الشكاوى من تراكم مستحقات المقاولين والمهندسين والاستشاريين لدى الدولة اللبنانية، وقدّمت الحلول لتجنّب الإفلاس واستنكرت "التطاول علينا وذلّنا"، ورفعت عن نفسها المسؤولية في هدر المال العام.

قال نقيب المقاولين "تريدون ان تعرفوا أبن الاموال المنهوبة؟ فتشوا في جميع القطاعات بدءًا بالاعلى صرفًا وليس الأدنى صرفًا من أصل 270 مليار دولار صرفت بعد العام 90 فقط 14 مليار دولار من سنة 1992 الى 2017، 4 ما زالت قيد التنفيذ في مجلس الانماء والاعمار، والمليارات العشرة نفذ بها المطار والموانىء والمدارس المهنية والطرقات....

وفق المعلومات، وجّهت للمقاولين أربعة أسئلة: تصنيف أعمالهم (طرق مباني...) التلزيمات الحالية، دفع الضرائب، ورأيهم برفع السرية المصرفية في ظل تأكيد ابراهيم بوجود قرار سياسي بتتبّع حركة الأموال.

وفي شأن السؤال الأخير أستند جواب المقاولين "على عدم التعاطي مع هذا الملف وكأننا حرامية. السرية ترفع عبر هيئة التحقيق الخاصة عند وجود تهرّب ضريبي وشبهات في تبيض اموال فقط، لا أن يتحوّل الأمر الى أداة للانتقام". فكان جواب ابراهيم "لا ملف مسبقًا ضد أحد".

في هذا السياق، استنتج عدد من المقاولين بأن "الدولة تسعى الى جَمع الأموال لتسكير عجز الخزينة وإطفاء الدين العام. وسيكون ذلك عبر الغرف من قطاعات "مشبوهة" فتفتح الملفات لتحقيق هذا الهدف ترهيبًا، وليس فقط بغية الإصلاح. إنّهم يضيّعون البوصلة وسياسة "الريتز" لا تنفع. فليذهبوا الى منابع الفساد الحقيقية. الكهرباء والأملاك العامة والأبنية المستأجرة وفساد الطبقة السياسية والسياسات المالية... فاتورة ملف الدواء وحدها السنوية تبلغ 3 مليار ونصف وهي أكبر فاتورة في العالم نسبة الى عدد السكان".

الأرجح، غالبية مقاولي الجمهورية اللبنانية لا يعتريهم القلق وهاجس التوقيف. همّ يدركون في سرّهم ان الطوائف والزعامات لن ترضى بالذلّ لمقاوليها وستحاول صدّ عدوان المحاسبة عنهم، لأنها بذلك تحمي نفسها وباب رزقها المتأتي من مشاريعهم وخيراتهم. لم يعدّ سرًا أن إسم بعض المقاولين اليوم هو رديف حقيقي لطائفة وزعامة. ومن يمسّ بأحدهم يعتدي على "عرض" الطائفة... ويا غيرة الدين!

بالتأكيد، هذا القطاع عبر بعض المتعهدين الكبار والنافذين، راكَم المليارات والثروات و"شَفَط" الشغل من أمام صغار المقاولين والمسترزقين على قدّ الحال، وأشبع وأطعم ودلّل "مرجعيات" الطوائف، وساهم في زيادة منسوب هدر المال العام عبر التلزيمات والتنفيعات الوقحة. مليارات صرفت على بنى تحتية "تسقّط حكومات" بسبب حجم الاهتراء الضارب فيها ما جعل لبنان يحتل مراتب متقدمة في لائحة البلدان الأكثر سوءًا لناحية سلامة الطرق.

الأسماء معروفة ومفضوحة. شغل النيابة العامة المالية الجدّي أو القضاء المختص يبدأ مع سوق المقاولين والمتعهدين والمكاتب الاستشارية المتعاونة مع صناديق الهدر محصّنًا بـ"ملفاتهم" المبكّلة بالأرقام والأدلة أمام قوس العدالة للتدقيق في ما صُرف خلال 30 عامًا على البني التحتية المهترئة والمشاريع التنفيعية...

يقول أحد المقاولين البارزين "نحن لا نغطي الفاسدين. الفساد موجود في كل القطاعات، وهذا القطاع ربما جسمه لبيس، لكن التعميم لا يجوز وحين يكون هناك شبهات فليتحرّك القضاء لكن بعين واسعة تشمل ما هو أبعد من المقاولين".

يضيف "أصلًا ملف المقاولات يحتاج الى قضاء إداري مختص (ديوان المحاسبة)، وليس كل شئ يمرّ عبر المدعي العام المالي. هناك جهل حتّى من قبل مقدّمي الإخبارات في قوانين الصفقات العمومية لمشاريع معقودة بين إدارات الدولة والمقاولين والمهندسي"، معتبرًا "أن هذا الملف هو سيف مصلت ويمكن أن تحصل استدعاءات جديدة في المدى القريب، مع العلم أن هناك أسماء "تضوّي" في عالم المقاولات تحوم الشبهات حولها تشكّل 2 او 3 من مجموع المقاولين لكنها تسيطر على 90% من التلزيمات، فيما نحو الف شركة مسؤولة عن 10% من المشاريع".

ويرى مقاول آخر "أن هذا الملف لن يصل الى مكان طالما لا مادة جرمية واضحة ولا مستندات وأدلة. وإذا كان لديهم جرأة فليفتحوا ملف الزفت السياسي والـ 100 مليون دولار التي صُرفت كتنفيعات من دون فتح اعتماد"!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة