"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل
بلغت النكاية السياسية بحق رئيس الجمهورية ميشال عون ردًّا على دعوته الأفرقاء السياسيين للقاء بعبدا الى حدّ اختيار الرئيس سعد الحريري فؤاد السنيورة شخصيًا كي يتلو بيان المقاطعة لرؤساء الحكومات السابقين.
ليس العهد بالطبع في أفضل أحواله، لا بل هو بخلاف العهود "الطائف" يبدو كمنّ يحفر قبره بيده. العارفون بالخفايا يسلّمون بأن ميشال عون ظُلِم بمحاصرة نفسه بمقرّبين منه وبحلفاء وبسياسات رسمت نهاية دراماتيكية لعهدٍ أرادَه نسخة عن أسلوب تفكيره: وطن مؤسسات.
دارت عقارب التغيير ضده ليضعه الخصوم، وبعض الحلفاء سرًّا، في قفص الاتهام بأخذ البلد نحو خيار الانتحار. هذه وقاحة موصوفة وآخر نماذجها خطاب العفّة على لسان فؤاد السنيورة، نيابة عن رؤساء الحكومات السابقين، وكأن "أمين سرّ" المليارات الضائعة من خزينة الدولة تقمّص دور القاضي الايطالي أنطونيو دي بييترو قائد الحرب على الفساد مطلع التسعينيات في ايطاليا!
ليس لقاء بعبدا الأوسع منذ العام 2005 سوى محاولة جديدة لترميم ثقب صغير من الثقوب الكثيرة في السفينة اللبنانية الغارقة. يصعب ربما الدفاع عن عهد ارتضى وضع اليد مع رموز الفساد للتحرّر منه، و"تعمّشق" سلّم الطائفية ليسلك درب الدولة المدنية. لكن الأصعب بكثير "هضم" وقاحة المنظّرين في حسن السلوك المؤسّساتي العفيف النظيف وهمّ رموز فاقعة لحقبات "دعس رقبة" الدولة ومصّ دمها وانحلالها!
قبل أن يقف السنيورة على منبر بيت الوسط ليٌعلن إعتراض رؤساء الحكومات السابقين "على عدم قدرة هذه السلطة مجتمعة على ابتكار الحلول التي تنقذ لبنان بكل مكوّناته" كانت الرسالة قد وصلت سلفًا الى بعبدا بإعلان المقاطعة. راهنت بعبدا على فصل الحريري موقفه عن موقف رؤساء الحكومة السابقين تمام سلام ونجيب ميقاتي والسنيورة إلا أنّ رئيس تيار المستقبل أبلغ قريبين منه باكرَا أنّه ليس بوارد "إعطاء براءة ذمّة عن الأشهر الثلاثة الماضية للحكومة"!
هكذا خصّت مقدمة نشرة "أو تي في" ليل الاثنين بيان هجاء ضد المقاطعين قبل الكلام المباح في بيت الوسط متحدّثة عن فيكتور هوغو الذي "لو عاد لوجد ان الزمرة التي تحدّث عنها في كتابه "البؤساء" منذ قرنين بعثت في لبنان. فهم سارقون مبتذلون أشقياء. لم يحققوا إنجازًا واحدًا منذ 30 عامًا سوى البؤس واليأس وقرف النفس للناس والغرف من بيت مال اللبنانيين والتسكّع على أعتاب المفوّضين السامين وضبًاط المخابرات والتسوّل من الصناديق الدولية بعدما أفرغوا الصناديق المحلية وملؤها استدانة ومهانة وإهانة لبلدهم". وأشارت المقدّمة الى "الخناجر التي تعمل في الظهور وتسخّر المنابر للفجور وتتغرغر الحناجر بالبخور لأمراء الحرب وأرباب القصور". كلامٌ غير عادي يخفي بين السطور غضبًا رئاسيًا وعونيًا على من يضع قناعًا ويقول الشئ ويفعل عكسه. بالحديث عن أمراء الحرب ليس المقصود هنا بالطبع سعد الحريري ابن البيئة السنية الارستقراطية والمعروف موقفه سلفًا من الحوار والرافض لمدّ اليدّ الى عهد يراهن على أنه لن يكون رئيس حكومة مجددًا في ظلّه!!
وبعكس ما تردّد سابقًا عن احتمال تأجيل طاولة الحوار ربطًا بالموقف الذي كان متوقعًا للحريري ورؤساء الحكومات السابقين، ومع توالي الاعتذارات والمرجّح أن تتوجّ اليوم بموقف قواتي عالي السقف، بعد الموقف المقاطع لسليمان فرنجية وسامي الجميل، فإن دوائر بعبدا لم تحسم قرارها بعد خصوصًا ان مفاعيل التأجيل بفعل المقاطعة ستكون سلبية جدًا وتكرّس حالة الحصار للعهد والقوى الداعمة للحكومة.
ويتّجه رئيس الجمهورية الى عقد اللقاء بمن حضر من دون الرهان على حتمية حضور جعجع. ويقول قريبون من بعبدا في هذا السياق "ان من يسعى لتطويق رئيس الجمهورية وفرض العزلة السياسية عليه سيخسر لأنه يعزل نفسه".
ويشير هؤلاء الى أن "رغبة الرئيس عون بحضور الحريري كانت بهدف عكس صورة تطمئن الشارع خصوصًا ان الاحتكاكات الشيعية-السنية لامست الخطوط الحمر وهي قابلة لأن تتكرّر بأي وقت. أما وقد رفض الحريري الاستماع الى نداء "الوحدة" في مواجهة التفرقة، فإن المعيار الميثاقي لمن يصوّب عليه حاضر من خلال رئيس حكومة يمثل كل اللبنانيين، والطائفة السنية، وبلقاء تشاوري يجدر العودة الى نتائج الانتخابات النيابية لمعرفة حجمه إضافة الى حجم كافة الشخصيات السنية من خارج تيار المستقبل".
ويبدو أن طلب الحريري من السنيورة تلاوة بيان المقاطعة قد قدّم خدمة للعونيين الذين نبشوا سريعًا "ملف" وزير المال ورئيس الحكومة السابق المسؤول، برأيهم، عن الإشراف المباشر على أكثر الملفات فسادًا في الجمهورية اللبنانية: إدارة خدمة دين الدولة للبنانية، والتلزيمات والصفقات، وإدارة الحسابات المالية ومنها الـ 11 مليار الضائعة، وملف الهبات. ولسان حالهم كان: أنظروا من يتكلّم!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News