"ليبانون ديبايت" - وليد الخوري
أكّدَ المؤكدُ في أهميةِ الاستقرارِ الأمني ومعالجةِ الخلافات والتصدي للفتن ومكافحةِ الإرهاب، دون أي قرارٍ في مكافحة الفساد ومؤامرة الدولار والجوع، رُغم أن مداخلتَي رئيس الحكومة القادم من كوكب السراي، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ارتكزتا الى الاوضاع المعيشية والمادية،لينتهي اجتماع بعبدا الى بيان يعيد اللبنانيين بالذاكرة الى بدايات الحرب في السبعينات، لولا ان القارئ كاثوليكي زحلة والمستشار فوق العادة لرئاسة الجمهورية، الذي بَدت بصماته فارقة في النص والنقاش.
كلماتٌ بالجملةِ وفي كل الاتجاهات، لم تحرّك صديقاً أو شقيقاً، حتّى من بابِ "لَوي القلب"، رُغم خوف رئيس الدولة من الحرب التي لامسناها، و "نكوزة" الصهر لرئيس الحكومة، المصرُّ على أن يدورَ حول نفسه مردداً الكلام ذاته عن المسؤوليات والمؤامرات الكونية، مكتفياً بإنجازِ الـ 97٪ و"عمرو ما يكون الباقي"، وإنكار الحاج محمد رعد للجنرال سليمان لقبه الرئاسي.
وسط كل ذلك شكّلت الفقرة الخامسة في البيان الختامي علامة فارقة، لم تأتِ من عدم، حيث تناولَ كثيرون مسألة "التطوير الواجب اعتماده في نظامنا السياسي ليكون أكثر قابلية للحياة والانتاج وذلك في اطار تطبيق الدستور وتطويره لناحية سد الثغرات فيه وتنفيذ ما لم يتحقق من وثيقة الوفاق الوطني" ، وان كان التعبير عن ذلك مختلفاً عند كل طرف.
فمن خطبة الشيخ أحمد قبلان، الى مقابلة الشيخ نعيم قاسم، مروراً بإطلالتَي السيد نصر الله ومن بعده النائب جبران باسيل، يبدو واضحاً أن ثمّة قناعة عادت الى الواجهة تقود الى نسف الطائف تحت عنوان" التعديل او التحسين"، لتحصيل مكاسب سياسية للاطراف والطوائف بعدما تبين ان انتصارات الشارع من السابع من ايار الى اليوم لم تكرس "قانوناً ودستوراً" وإن باتت عرفاً أحدٌ لا يتجرأ على مواجهتها او الحديث عنها، فحكم حزب لله للدولة والتحكم بمفاصلها وفرضه لارادته، خارج أي جدلٍ او نقاش، تؤكده الممارسات اليومية، شاءَ من شاء وأبى من ابى على كل مستويات الحياة الوطنية الرسمية والخاصة.
تحتَ هذا العنوان، يمكن إدراج "الغباء السياسي" للأطراف التي قاطعت وراحت تطلق النار على اللقاء من الخارج بدل حضورها الى الطاولة وتحويلها الى حلبة صراع تنسف بنتيجتها ما كان قد كُتب بين الأسطر وفقاً لقراءة حارة حريك، فسهّلوا لها بذلك الطريق لتضيف الى انجازاتها إنجازاً، أتى كالعادة نتيجة خنوع وجبن اللاعبين السياسيين الذين اعتادوا التراجع حتّى قبل "السحسوح"، مظهرين الحزب في موقع المنتصر الدائم، ولا عجب في ذلك، "فلا دنب الكلب لَح يجلس، ولا الجَمل لَح يشوف حردبته".
ولكن، هل الظروف الحالية مؤاتية لفتح حوار حول تطوير النظام؟
في المرحلة التي سبقت انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية كان الاعتقاد السائد لدى القواعد البرتقالية ان تسوية الطائف سقطت عملياً مع اتفاق الدوحة التي خلقت أعرافاً جديدة دستورية وقانونية ،سمحت بإيصال المسيحي القوي الى بعبدا لاحقاً. وبالتالي في ظل ضعف المسيحيين يومها ولعبهم على هامش الحياة السياسية وسط التوتر الشيعي - السني، خرجت نظرية تقول بأن اتفاق مار مخايل يفتح الطريق أمام السيد نصرالله ليعيد للمسيحيين جزءاً من الصلاحيات التي فقدوها، في اطار تعديل دستوري، هو الوحيد القادر على فرض رايه على طاولته. ولكن هل ما زالت تلك النظرية صالحة اليوم؟
واضح أن حزب الله وبلعبةٍ ذكية منه، هو الذي يجيد الحركات الاستراتيجية، نجح في جرّ الجميع من حيث لا يدرون الى ساحته ليخرج المنتصر الوحيد من بعبدا. قد يسأل البعض كيف؟
بكلِ بساطةٍ تُبيّن مراجعة الوقائع أن التهويل بالفتنة هو أنجع سلاح لحارة حريك لترهيب "أرانب" الداخل وإخراجها من مخابئها، وتحت العنوان نفسه كانت الضربة الثانية التي أربكت الجميع أصلاً منذ فترة. فليلة السنة "الشيعية - السنيّة" عند حدود الطريق الجديدة المنكهة برسالة "عين الرمانة - الشياح"، أعادت حارة حريك تعويم شيخ بيت الوسط سنياً، تمهيداً "لجرّه" الى بعبدا " مزلط" من كل ستر عربي او غربي، بعدما فقد رصيده كاملاً في حكومة العهد الاولى.
أمّا على الصعيد الدرزي فإن تطبيق باقي بنود الطائف يعني عملياً احياء مجلس الشيوخ وهو ما يريده بَيك المختارة. أمّا التيار الوطني الحر فبات يملك ورقة الاصلاحات الدستورية يشهرها في وجه خصومه من مسيحيين مشاكسين، المهرولين في معركة اكتساب الحقوق. لتكون الخلاصة المرة، اعادة الصراع الى اصحاب قسمة قالب الجبنة، وسحب النقاش الاقتصادي وتحويله الى نقاش سياسي في طبيعة النظام والصلاحيات، إحياء العصبيات الطائفية والمذهبية الضيقة، لتسقط بذلك الثورة وجمهورها بالضربة القاضية، ولينتهي اصحاب البطون الفارغة أجساداً بلا رؤوس حيث يغيب العقل السليم عند أعتاب الزعيم.
فهل تنجح خطة الحزب؟ في التكتيك يظهر حتّى الساعة أن المطبق أفضل من المكتوب والمرسوم، أمّا في الاسقاط المستقبلي فإن حسابات حقل حارة حريك لن تطابق البيدر اللبناني. فكل شيئ تغير والامور ما عادت كما كانت. فلبنان ذاهب الى عقد اجتماعي جديد ينتج عقداً سياسياً واقتصادياً متولداً من جوع ووجع الشعب اللبناني بكل طوائفه، إذ ستُثبت الايام أن ابتعاد الجماهير عن احزابها وزعمائها لمصلحة ابنائها وعائلاتها... وإلّا لما استعجال حزب الله لعقد لقاءات مع مجموعات المعارضة المتشددة؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News