"ليبانون ديبايت" - صفاء درويش
المحاسبة والرقابة الفعلية في لبنان ممكنة في حال توفّر من يقاتل لأجلها، وهذا ما كرّسه رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان من خلال عمل لجنته في المجلس النيابي طوال سنوات. كل ما حكي عن محاربة الفساد منذ سنوات كانت جعجعةً كبيرة ولكن بلا طحين. يسعى كثر للبحث عن انجاز فعلي او تبني جهود الآخرين من أجل الإستثمار في السياسة والشعبوية، ولكن في الواقع هناك فرق كبير بين من عمل وبين من ألزم على تحمّل مسؤولية لم يتحمّلها من تلقاء نفسه. ببساطة، هناك من سرق ونهب واختلس ويزعم اليوم نيّته البحث عن الأموال المنهوبة، التي قد تكون وعلى أغلب الظن، في حساباته المصرفية في الخارج.
قد يكون خبر تقرير ديوان المحاسبة عن تدقيق وزارة المالية بحسابات الدولة اللبنانية من العام 1993 إلى 2017 والتي قد تظهر في نهاية التدقيق مبالغ مجهولة المصير بأكثر من 27 مليار دولار، أي ما يشكل ثلث الدين العام هو خبر له وقع الصاعقة على اللبنانيين. من منع التدقيق المالي طوال سنوات ومن هو المسؤول؟
هجومات كبيرة طاولت ابراهيم كنعان عام 2010، رافقتها ضغوط مورست على الرجل ولجنته للموافقة على التغاضي عن عدم اجراء التدقيق المالي وتسيير الأمور غب الطلب. وزارة المال، في عهد ريا الحسن عام 2010، وما سبقها طيلة سنوات، غطت بحسب المعلومات عدم اجراء تدقيق بأرقام الدولة اللبنانية نتيجة إرادة سياسية منعتها ومعها ديوان المحاسبة، من اكتشاف كيف كانت المياه "ماشية من تحت اللبنانيين" دون أن يجرؤ أحد على المواجهة. تمرّد كنعان أثمر في حينه 54 جلسة استماع لديوان المحاسبة ووزيرة المال تلاها انشاء لجنة تقصّي حقائق مالية بعد التيقّن من أن خللاً مالياً ادارياً كبيراً قد حصل.
بنتيجة ذلك، توصّلت لجنة المال إلى اكتشاف انفاق غير قانوني لمبلغ 4 مليارات دولار من الهبات اضافة إلى 17 مليار دولار من السلفات لم تُرد إلى خزينة الدولة ومعها قروض حوّلت إلى حسابات خاصة وعلى جانبها حوالات مفقودة! كل هذا حصل في مغارة علي بابا والأكثر من أربعين مختلس.
يثبت ما توصلت إليه لجنة المال والموازنة من 2010 الى 2013 واليوم بعد تقرير ديوان المحاسبة، أن وزارة المالية كانت إمّا غير موجودة فعليًا لسنوات طويلة أو أن ما حصل كان بالتكافل والتضامن والتواطؤ معها.
تسويات عديدة عُرضت ورفضتها لجنة المال الموازنة، كان الهدف منها الهروب من المطالبات بالتدقيق المالي، وذلك بعدما نجحت اللجنة بالتحوّل إلى هيئة رقابية فعلية متحررة من الضغوط السياسية، رغم انتماء أعضائها إلى الكتل السياسية عينها، فيما برزت جهود كنعان بحسب المتابعين إلى فرض مهنية كبيرة في مقاربة الملفات انطلاقًا من مسؤولية وطنية شعر بها الجميع لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه.
في عهد ريا الحسن جرت محاولات، وكذلك الأمر في عهد الوزير محمد الصفدي، حيث أرسلت حينذاك الوزارة كتابًا من سطرين لتمرير الحسابات بشكل استثنائي وهو الأمر الذي رفضته اللجنة أيضًا، وهو الأمر الذي ورد في الواقعة التي سردها ديوان المحاسبة عن مدير عام وزارة المال المستقيل آلان بيفاني الذي كان قد ذكر أنه أرسل مشروع قانون في ذلك الوقت لاعفاء الوزارة من اعداد الحسابات من العام 1993 حتى 1997. اما ديوان المحاسبة فكان قد أعطى رأيًا بالسير بالحسابات سنة بسنة وتم الرفض أيضاً ، ولو كان هناك موافقة لما تبيّن الخلل الحاصل بـ 27 مليار دولار، محاولات الإخفاء أُجهضت.
بعد كل الأرقام التي نُشرت هل ما زال هناك أي ثقة بأرقام وزارة المالية؟
والغريب أن صندوق النقد الدولي كان يطلع على أرقام لجنة المال، هو الذي تصله أيضًا أرقام وزارة المالية، دون أن يعطي أي رأي يضيء على مجريات الأمور. يفيد كل ما حصل بأن الحكومات المتعاقبة كانت هي المسؤولة عن الهدر والسرقة، وهو ما تثبته الأرقام لا الإتهام العشوائي.
عام 2013 تقدّم الرئيس ميشال عون(كان نائبًا في حينه) بمشروع قانون انشاء محكمة للجرائم المالية، وهو المشروع الذي باتت اليوم تناقشه اللجان المختصة في المجلس النيابي بعدما عُرقلت لسنوات. وريثما تقر، وبناءً على التطورات المالية الحاصلة، سيقترح كنعان على المجلس النيابي تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تدرس كل التقارير والحسابات والأرقام.
اليوم، فتح باب المحاسبة، ومعها عادت الآمال بإعادة الثقة إلى الدولة اللبنانية، في حال تمت معالجة الأرقام وسلكت استعادة الأموال المنهوبة مسارها القضائي الصحيح. فهل تسمح السلطة العميقة بالإكمال بما يدينها أم أنها استدركت وزرعت طريق الإصلاح بالألغام؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News