المحلية

السبت 25 تموز 2020 - 02:00

شارعٌ ونصف فصلا بين حزب الله ولودريان...

شارعٌ ونصف فصلا بين حزب الله ولودريان...

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

يعتصم حزب الله بحبل الصمت. على الأرجح، دخل في صيامٍ سياسي "متقطّع" عطفاً على المرحلة التي تشهد تقاطعات وتقطّعات. وصمت الحزب، له تفسيره لدى العامة وفي مجالس النُخب، وهو تعبيرٌ على دخولنا في مرحلة "خواء سياسي" لا يرى فيها مصلحة لـ"دسّ" انامله بها.

منذ مدة، اختارت حارة حريك تناول الوجبات السياسية الخفيفة، إنها مرحلة "ريجيم سياسي" مطلوب حفاظاً على رشاقة الجسم! ابتعدَ الحزب عن الوجبات السريعة، واصلاً هو "مش صحاب" مع هذا النسل من البرامج، لكن ذلك لا يعني مطلقاً أنه ابتعد عن دائرة الاهتمامات السياسية، بل ان نشاطه ضمن الدوائر الداخلية يوحي بمدى حضوره ودقته ودرجة متابعته للملفات، لكن ليس في العلن، بعدما باتَ هذا العلن حمّال أوجه ومفعم بالتفسيرات.

والحزب القابع على جمر العقوبات ومحاولات تصفية الحسابات معه وتهيئة برامج الاستهدافات المتنوعة المتلونة بحقه، في الداخل والخارج، ينتظره البعض على "الكوع" بالاتهامات المعلبة التي يُشتم منها روائح المشاريع المجهزة. والحزب بصمته، يتعمد استدراج التساؤلات وترك الناس تسبح بأفكارها وتسرح بخيالها وفي لحظة ما يتدخّل ويعيد ترتب الأمور بخطوات محسوبة.

من طرح موضوع الحياد وإستهداف أحد مقاتليه في سوريا إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان إلى بيروت والاشتباك الحكومي - الاقتصادي - المالي، ترك الحزب مسافةً بينه وبين الأحداث، مراقباً ومتابعاً لها من دون أن يكون له موقفاً منها. صامت، رغم أن كثراً حاولوا استدراجه من أجل سحب كلمة منه حول هذا الموقف أو ذاك دون جدوى!

وصمت الحزب بهذه الطريقة، يثير الازعاج والاستغراب لدى فرقة متنوعة وطّنت نفسها على فكرة استهدافه يومياً. يكاد هذا الصمت يسلبهم روح المواد المستخدمة في تحليلات يجري البناء عليها عادة في تظهير موقف الحزب بالشكل الذي يخدم مصالح تلك الفرقة.

والاسرائيلي الذي خبر حزب الله جيداً، يُدرك أن صمته هو كناية عن فترة الهدوء التي تسبق العاصفة، لذلك أوعزَ إلى كافة قواه العسكرية العاملة على طول خط الحدود من الجنوب حتى الجولان، ان تبقى على يقظة تامة وعلى أهبة الاستعداد، وقد عاد إلى تكتيكه السابق بالابتعاد عن الخط الحدودي مع لبنان مسافة لا تقل عن 10 كيلومترات، باتت بالنسبة إليه "منطقة محرمة" إن لم يكن قد أدرج "نداء هنيبعل" على جدول تحذيراته!

ما يزيد من عوامل الترقب والاستغراب، ان الاستهداف الذي تعرض له حزب الله في محيط دمشق واسفر عن سقوط شهيد، لم يدفع لتحريك الآلة السياسية والعسكرية المتجسدة بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي وبخلاف ما جرت العادة، لم يخرج بعد الاعتداء الاسرائيلي المستجد، سواء لنعي الشهيد أو التطرق إلى ما حدث. ترك الأمور تمضي كما هي... ودوائر حزب الله صامتة هي الاخرى، لا يرصد منها اي إشارة حول ظهور قريب لنصرالله، ما يزيد طين الاسرائيليين بلة.

ثمة من يدّعي، ان نصرالله سيخرج في حالة واحدة، حين سيتولى الاعلان عن طبيعة الرد على الانتهاك الاسرائيلي حين يتحقّق تجسيداً للمعادلة التي أطلقها الصيف الماضي "الدم بالدم". يحال هذا الاجتهاد إلى علم الغيب ربطاً بسياسة الصمت رغم أن جدية حزب الله توحي بأن الأمور ليست ببعيدة.

والصمت نفسه، عمّم على مسألة طرح الحياد. حزب الله الذي تعده غالبية القوى المعني شبه الوحيد أو المباشر بالقضية، نأى بنفسه عنها، تاركاً أسراب التحليلات تسبح في الفضاء. من يطرق بابه، لا يلاحظ اي تعديل دخل على حساباته في ما خصّ القضية. لقد احالها برمتها إلى القراءة السياسية الداخلية، ولا يبدو أنه منح حصرية نقاشها أو تتبعها إلى الحليف الاقرب إلى قلبه، رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي هو الآخر تعاطى مع مسألة الحياد، بحياد أكبر!

يُقال أن الحزب يومأ برأسه حين يُسأل عن موضوع الحياد، وكأنه ينتظر حدثاً ما أو نتيجة لحركة ما يجريها أحد ما، ولو انه من غير المعتاد ان يوكل قضايا تعنيه مباشرةً إلى أحد. لكن وفي مكان آخر، يبدو واضحاً أنه ترك الاجابة عن الحياد للوقائع والاحداث على أن تتكفل وحدها بتقديم أجوبة صحيحة.

مثل ذلك كمثل زيارة وزير الخارجية الفرنسي. قيل الكثير حول علاقة الضاحية بباريس سابقاً، والحديث عن الجولات واللقاءات كان يأخذ سطوراً. في العادة، كان أي موفد فرنسي يأتي إلى بيروت يخص الحزب بلقاء والأخير يرد التحية بأحسن منها على صعيد من سيمثله. هذه المرة تغيرت الأحوال. زار رئيس الدبلوماسية الفرنسية عمق الضاحية وثقلها وارتشفَ القهوة في أحد مكاتب "مؤسسة عامل"، وكان يفصله عن مبنى كتلة الوفاء للمقاومة ومكتب نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم شارع ونصف تقريباً.

من هنا تبدأ الرسائل، المسافة لم تعد تقاس بين الجانبين بالامتار بل بالمواقف والتموضعات السياسية. الآن، لا حزب الله يبدو "متلهّفاً" لإجراء اي لقاء مع مسؤول فرنسي، ونحسب ان ذلك يرتد على الضبابية في الموقف السياسي الفرنسي المستجد، ولا باريس حاضرة لمثل هذا اللقاء وهي في طور تقربها من الخط المرسوم اميركياً في المنطقة، وربما، تجد أن إيكال "ملف الحزب" إلى سفيرها في بيروت عبر القناة التنسيقية الدائمة والمفتوحة، يفي بالغرض ولا حاجة لمزيد من اللقاءات من أجل اللقاءات، طالما أن لودريان لم يحضر إلى بيروت من أجل إرساء عملية انتقالية استثنائية، بل كان مجرد ناقل رسائل ومستطلعاً أحوال رعيته الفرنكوفونية!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة