المحلية

الثلاثاء 06 تشرين الأول 2020 - 02:00

ما بَين "قره باغ" وجنوب لبنان

ما بَين "قره باغ" وجنوب لبنان

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

يَقرأ سياسيّ عتيق في جذور الصّراع على إقليم ناغورني قره باغ (أو آرتساخ بحسب التسمية الأرمنية) وإمتداداته التي باتت تأخذ طابع اصطفاف إقليمي ينذر بآخر دولي حاد في حال بقيت عملية الاستقطاب جارية ضمن هذا المستوى العنيف.

لبنان، ولو أنه بعيد جغرافياً عن دائرة الصّراع وخطوط الجبهة لكنه يتأثّر بالانعكاسات والتحوّلات على أكثر من صعيد تبعاً لتأثّر المحيط بالاحداث، إقليمياً نتيجة الفرز الحاصل وضلوع القوى المؤثّرة في الجغرافيا السياسية اللبنانية بما يحدث في إقليم واقع على فالق زلزالي أرميني – آذاري، أهلياً نسبة إلى الجذور الأرمنية العتيقة لقسم من اللبنانيين وشدّة إندفاعهم وتأثّرهم بما يجري في "آرتساخ" وتوجّه مقاتلين متطوعين أرمن إلى الجبهة، سياسياً مع بدء تكوّن التوجّهات الآخذة بالوضوح أكثر حيال المواجهة الاذارية – الارمنية، والأهمّ عسكرياً تبعاً لدخول "أطراف أعداء" في الحقل الميداني لجغرافية الصراع على وجه التحديد إسرائيل وهنا بيت القصيد.

عملياً، روسيا وايران أعلنتا باكراً تأييد أرمينيا. لكلا الدولتين خلفياتهما وأسبابهما السياسية وحساباتهما الاستراتيجية. روسيا تشعر أن أرمينيا التي كانت جزءاً لا يتجزأ من أراضي الاتحاد السوفياتي، تجمعها معها مصالح مشتركة واتفاقية تعاون عسكري، ولموسكو قاعدة عسكرية صريحة في يريفان، وإيران التي يفصلها عن أذربيجان العداء رغم ما يجمعها من روابط الأكثرية الشيعية، مع ذلك وقع الطلاق بين الجارَين نتيجة سياسات "باكو" المائلة نحو الغرب وتعاونها اللامحدود مع "إسرائيل" والتي تشعر طهران أنه يهدّدها على المستوى الاستراتيجي – الأمني لا سيما بعد التقارير "الاسرائيلية" التي تتحدّث عن إتخاذ "تل أبيب" أراضي باكو منطلقاً لتنفيذ هجمات "تخريبية" ضد طهران. ثمة عامل أكبر، يكمن في الخلاف على الثروات الطبيعية في بحر قزوين.

في الجانب الآخر، تموضعت تركيا، شريكة إيران وروسيا في الحقل السوري إلى جانب أذربيجان و أقحمت المعارضة السورية في الحقل الميداني في ظل شحنها لمقاتلي "الجيش الوطني" إلى قره باغ، إلى جانب "إسرائيل" التي انضمت باكراً إلى الحلف الذي يختلف في فلسطين جوهرياً مثلاً ما جعله شديد التناقض.

عموماً، ما حمل السياسي على الانتباه، شدّة الضلوع "الاسرائيلي" في ميدان قره باغ وعلى أكثر من صعيد، بدءاً من التسليح وصولاً إلى إدارة الحرب، عملياً والكترونياً وتقنياً. ويبدو من خلال ما جرى رصده والكشف عنه وتسريبه حتى الآن، أن ضلوع "تل أبيب" لم يعد يقتصر على إمدادات السلاح الذي استخدم في أكثر من مجال حربي، تقنياً من خلال اعتماد الجيش الآذاري على طائرات "إسرائيلية" الصنع من دون طيار سواء في مجال الرصد والاستطلاع أو ضرب الأهداف كالاعتماد على طائرة "هاروب الانتحارية" وغيرها، نارياً من خلال القصف المدفعي بالقنابل العنقودية "إسرائيلية" الصنع أو بإستخدام راجمات صواريخ "لورا" التي يصل مداها إلى 400 كلم، وإستخباراتياً من خلال تقديم "تل أبيب معونة" واضحة في مجال إدارة الحرب.

هذا التورّط "الاسرائيلي" الواضح يشبّهه السياسي اللبناني العتيق بنموذج دخول حزب الله إلى سوريا ومشاركته في القتال هناك. صحيح أن الاساليب والاهداف تختلف بين هذه وتلك، وان الحزب بنى أسبابه على خلفيات دينية وميدانية في الدرجة الاولى، لكن كانت هناك اسباباً إستراتيجية وتقنية أخرى لا تقل أهمية، عسكرية على وجد التحديد، إذ وفّرت مشاركة الحزب في أكثر من جبهة سورية إكتساب مهارات قتالية لوحدات تدخل غالبية عناصرها من الشباب في جغرافيات مختلفة لا بدّ وانها رفعت من قدراتهم العسكرية إلى جانب مشاركة قادة ميدانيين من الحزب في مجال إدارة الحرب ما اكسبهم خبرات واسعة ايضاً، والاهم أن المشاركة فتحت للحزب مجالاً حيوياً جغرافياً يحتاجه.

الامر ذاته ينطبق على "الاسرائيلي" الباحث عن إكتساب حضور عسكري وخبرات ميدانية وإختبار أنواع جديدة من الاسلحة وجيل مختلف من الحرب وتكتيكات ودراسات حربية لم يجربها إلا في مناورات ومن الطبيعي أنه يحتاج إلى ميدان عسكري لدراستها والتحقّق من مستوى أهليتها.

عملياً، يشير السياسي إلى أن أحد أسباب الدخول "الاسرائيلي" في ميدان إقليم قره باغ إلى هذه الدرجة يمكن ربطه بمدى قربه وشبهه الجغرافي بجنوب لبنان، وما يجمع الجغرافيتَين تميّزهما بالبيئة الجبلية المتنوعة والسهول المفتوحة.

هذا الواقع يبدو أن "الاسرائيلي" أدركه جيداً ومنذ زمن تماماً كما قاسَ مرة حزب الله بين جغرافيا القصير والجليل، لذا تراه اليوم شديد الاهتمام بالمسار العسكري العملاني على الأرض. دعكَ من جانب الاقتصاد العسكري وضرورات التحالف، "تل أبيب" لا بدّ أن تكون مهتمة إلى درجة عالية بإختبار صنوف القتال والمساعدة في تقديم مشورة قتالية عسكرية وتقنية وهندسية إنسجاماً مع الرغبة في إختبار تكتيكاتها ومراكمة الخبرة في أكثر من جانب تحضيراً لمعركة تتوقعها مع جنوب لبنان.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة