المحلية

الجمعة 30 تشرين الأول 2020 - 02:00

لم يبقَ في المَيدان إلّا حديدان... حزبُ الشعب

لم يبقَ في المَيدان إلّا حديدان... حزبُ الشعب

"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى

بعد عام على ثورة 17 تشرين نجد أن الفريق السياسي الوحيد الذي يحمل العناوين السياسيّة التي تنادي بها الثورة وقبل أن تنادي بها حتى في 17 تشرين الأول 2019 هو حزب "القوّات اللبنانيّة"، فبعد استقالة مجموعة من النواب على أثر انفجار 4 آب تصاعد بعض الأصوات النشاز المندسّة داخل الثورة من دون أن تمت لها بأي صلة وحاولت المزايدة على "القوّات" ودفعها للاستقالة من البرلمان.

هذه الأصوات تنتمي إلى أفكار عتيقة باليّة يحاول بعضهم إزالة الغبار عنها واسترجاعها من حالة التحنيط والماضي البغيض وهي التي اساءت في الماضي وتسيء اليوم للبنان وجهاً ودوراً. وما حاولت القيام به يأتي ضمن "مؤامرة" الهدف منها القضاء على صوت الثورة كما في الشارع كذلك في البرلمان. فليس من طريق الصدفة ألا يتجمع سوى بضع مئات لإحياء الذكرى السنويّة الأولى لانطلاق هذه الثورة لأنه أصبح من الواضح أن المطلوب هو ضرب كل من يحمل عناوين التغيير الحقيقي.

هذا التغيير الذي لا يمكن أن يتم من دون إحقاق مطلب واحد من مطلبين أساسيّين وهما إما تشكيل حكومة إختصاصيين مستقلين فعلاً أو إجراء انتخابات نيابية مبكرة. وها هو حزب القوّات اللبنانيّة يتفرّد ويغرّد خارج سرب معظم الكتل النيابيّة رافضاً التكليف ومتمسكاً بتأليف حكومة تجسّد تطلعات الشارع اللبناني مكوناته كلها والذي يطالب بكف يد الزمرة الحاكمة الآن عن السلطة باعتبار أن هذا هو المخرج الوحيد من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد.

إن أي مراقب للمشهد السياسي في لبنان لا يمكن سوى أن يخلص إلى استنتاج واحد هو أن الثورة تراجعت في الشارع ولم يعد هناك من فريق سياسي وازن يحمل مطالبها سوى القوّات اللبنانيّة التي تواصل المواجهة وبشراسة مع الفريق الحاكم رافعة هذه المطالب ومنتظرة التوقيت المناسب للدفع بكل قواها لتحقيقها.

من المؤسف جداً أن نرى الأكثريّة الصامتة من اللبنانيين تجلس في منازلها فيما يستمر بعض الغوغائيين بالمزايدة من أجل ضرب من يرفعون قبضة الثورة في آخر مساحة يمكن التعبير من خلالها عن صوت الناس وهي مجلس النواب حيث يسعى حزب "القوّات اللبنانيّة" إلى تغيير الأكثريّة عن طريق محاولة اقناع "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" بالاستقالة بشكل جماعي من البرلمان للدفع باتجاه انتخابات نيابيّة مبكرة، ولكن حتى الآن، وللأسف لم يفلح حزب "القوّات" بذلك بعد تغيير "المستقبل" والاشتراكي" موقفهما منها لحظة إعلان استقالة حكومة الرئيس حسان دياب.

ما حصل لا يعني أبداً أن "القوّات" في وارد تغيير موقفها من هذا الهدف وهو تقصير ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابيّة مبكرة، فهي تصارع من أجله اليوم داخل البرلمان وخارجه باعتبار أنه يمثل الأمل الوحيد للتغيير لأنه الخيار الذي يتيح للناس التعبير بشكل مباشر وفعال عن مزاجها العام المتغيّر بعد ثورة 17 تشرين وهذا التغيير في المزاج هو الذي يدفع الأكثريّة الحاكمة للتمسك بالبرلمان الحالي ورفض أي انتخابات مبكرّة.

إن الأكثريّة النيابيّة اليوم تعبّر عن رفضها لهذا المطلب بطرق عدّة ومعظمها عبر دس السم في الدسم من خلال نشرها فكرة تغيير قانون الانتخابات ومحاولة تسميم الرأي العام الثائر بنظريّة أن قانون الانتخاب هو الذي ينتج الأكثريّة لا المزاج العام والتي هي خاطئة تماماً. وهذا المسعى يهدف أقطاب الأكثريّة الحاكمة من ورائه إلى نسف الانتخابات النيابيّة المبكرة ، ففي هذه الحال لن يتمكن مجلس النواب الحالي بأي شكل من الأشكال من إقرار قانون انتخابات جديد، وإن ننسى يجب ألا ننسى أبداً أن القانون الحالي تطلّب 10 سنوات من المماحكات السياسيّة لإقراره.

زد على ذلك إذا ما فنّدنا منطقياً القوانين الانتخابية المطروحة من قبل أقطاب الأكثريّة الحاكمة وهي: لبنان دائرة واحدة أو أقضية أو دوائر صغرى نجد أن القانون الوحيد الذي يحرّر الرأي العام من سطوة هؤلاء الأقطاب هو القانون الحالي الذي لا يسمح للمحادل الانتخابية أن تسيطر على كلّ شيء كما أنه لا يغيّب أي صوت لديه القدر الكافي من الدعم الشعبي.

في المحصّلة، إن أي انتخابات نيابيّة مبكرة تجرى اليوم ستقلب موازين القوى السياسيّة في البلاد رأساً على عقب باعتبار أنها ستسحب بساط الأكثريّة النيابيّة من تحت أقدام السلطة الحاكمة كما انها سترفع عنها الغطاء المسيحي لتعرّيها سياسيّا فتظهر حقيقة قوّتها الهزيلة.

في هذا الإطار، يسعى حزب "القوّات" اليوم إلى تكوين أوسع مروحة ممكنة من المؤيدين لطرح الانتخابات النيابيّة المبكرة وهو طبعاً لن يحرج ليخرج من البرلمان باعتبار أن استقالته لن تدفع باتجاه تحقيق مطلب الانتخابات المبكرة وإنما العكس تماماً ستغلق أبواب هذه المساحة المؤسساتيّة أمام صوت الشعب الذي لن يكون أمامه سوى خيار واحد من أجل إيصال صوته وهو الشارع.

إن أي معارضة حقيقيّة يجب أن تبدأ بادئ الأمر من ضمن المؤسسات وعلى الشارع أن يكون وسيلة ضغط تستعمل عندما تدعو الحاجة باعتبار أنه ما من شعب من الممكن أن يصل إلى التغيير في بلد كلبنان تعيش فيه الأكثريّة الحاكمة على كوكب آخر عبر مجرّد الإستمرار في الشارع لأشهر وسنوات منادياً ومطالباً فقط بشكل سلمي إن كان لا يريد أن يحوّل ثورته إلى عنفيّة، والمزاج العام اللبناني يريد إبقاء الثورة سلميّة مطلبيّة بحتة لرفضه بشكل عام العنف ولتجنب فتح الباب أمام صائدي الثورة لاستعمال غوغائيتهم وهمجيتهم بشكل مشروع بعد مبادرة الثورة للخروج عن سلميّتها. إذا في المحصلّة لا استمرار للثورة من دون من يُحمل صوتها في المؤسسات وهذا ما يقوم به "القوّات".

في الخاتمة، ليس من طريق الصدفة أنه بعد انقضاء مجرّد سنة واحدة على الثورة ألا يبقى من القوى الوازنة في الميدان سوى حديدان فحزب "القوّات اللبنانيّة" لطالما كان ثابتاً واضحاً في خياراته وتطلعاته فهو حزب الشعب الذي خرج من لدنه ويعرف تماماً هواجسه وتطلعاته وإن كانت المناداة بهذه الهواجس والتطلعات هي تهمة تساق زوراً بحق "القوّات" على أنها شعبويّة في خياراتها، فليعد أصحاب هذه النظريّة إلى مطلع الجملة علّهم يفقهون. "القوات" لا تحمل مطالب الناس فحسب فهي حزب الناس هكذا كانت وستبقى دائما وابداً.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة