المحلية

placeholder

زينة منصور

ليبانون ديبايت
السبت 31 تشرين الأول 2020 - 10:36 ليبانون ديبايت
placeholder

زينة منصور

ليبانون ديبايت

ضعفُ مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل

ضعفُ مفاوضات الترسيم بين لبنان وإسرائيل

"ليبانون ديبايت" - زينة منصور *باحثة أكاديمية وكاتبة سياسية*

تُعاني مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي برعاية الأمم المتحدة وإشراف أميركي من نقاط ضعف متعددة. إذ يمكن وصفها بالمفاوضات الهشة لأنها أتت متأخرة سنوات عن موعدها. كما يشوبها عدد من الأخطاء التقنية التي نتجت عن خطأين: الأول وقع أثناء ترسيم الحدود المائية بين لبنان وقبرص عام 2007، والثاني يكمن في أن مسار الترسيم من البر الى البحر وليس العكس إذ يبدأ الترسيم البحري بعد إنجاز الترسيم البري خصوصا أن هناك 30 نقطة على الحدود البرية غير متفق عليهم.

إن نقاط الضعف في المحادثات تتلخص بالتالي:

"أولا: إن هذه المباحثات غير مرتبطة حصراً بالأسباب الاقتصادية وهي بجزء منها تحمل ابعادا سياسية إذ تستند الى اتفاق الهدنة عام 1949 أي الى الاتفاق الرسمي الوحيد بين البلدين الذي وضع حداً للصراع العسكري بينهما. وما يتم الترويج له الى أن الاتفاق الحدودي البحري المنوي التوصل اليه هو تقني محض ما يفتقد للدقة.
ثانيا: لا تخلو عملية الترسيم من العقبات التي تواجه الفريق المفاوض اللبناني مع سعي الفريق الإسرائيلي الى إيجاد خروقات جغرافية وقانونية للاستفادة منها في عملية الفوز بنقاط تتعارض مع مصلحة لبنان.
ثالثا: إنّ الأخطاء الترسيمية السابقة والتأخير في الإنجاز أوقع لبنان بحالة من الفراغ، إن لجهة الاتفاق المسبق الذي حصل بين لبنان وقبرص حول ترسيم الحدود المائية، إذ وقع فيه المتفاوضون بخطأ استراتيجي تقني لناحية الترسيم يجب تصحيحه خلال المفاوضات الحالية، او لجهة مسارعة إسرائيل الى ترسيم حدودها مع قبرص بالاستناد الى الخطأ الذي وقع مع لبنان".

فُرضت هذه المحادثات من قبل الولايات المتحدة في مرحلة تكتيكية جيوسياسية وبتوقيت دقيق لأسباب عديدة أبرزها: مصلحة واشنطن في الترويج لإنجاز مفاوضات غير مسبوقة وإظهار الرئيس ترامب بوصفه صانع السلام سواء عبر ترسيم الحدود بين إسرائيل ودول خاضعة للنفود الإيراني مثل لبنان او عبر توقيع معاهدات سلام بين دول خليجية وإسرائيل. وبالموازاة استفادت إسرائيل من الدعم غير المشروط لها من قبل ترامب الذي أهداها إعلان القدس عاصمة لها في وقت تعزز من قدرات موانئها بإعلان انتهاء إنجاز مرفأ حيفا بموجب اتفاق استراتيجي مع الصين بالتزامن مع تدمير مرفأ بيروت.

تستشعر كل من الأطراف الثلاث إسرائيل وإيران ولبنان الازمة على مستوى محلي واقليمي. الكل مأزوم وكل طرف يحاول إيجاد متنفس بانتظار الانتخابات الرئاسية وما سيليها. تعتبر واشنطن ان ترسيم الحدود سيحجم دور حزب الله العسكري والاقليمي وبالتالي يتقلص نفوذ إيران. بالمقابل تستشعر اسرائيل بأزمة بناء علاقات جديدة مع محيطها بعد قرابة القرن من الصراع والعداوات. ويعاني لبنان من انهيار اقتصادي غير مسبوق يأمل ان تنقذه منه عملية استغلال الموارد الطبيعية في مياهه الاقتصادية انطلاق من ترسيم حدوده البحرية ومن ثم البرية مع كل من إسرائيل جنوبا وسوريا شمالا.

قراءات كثيرة متوافرة لما ستؤول اليه المباحثات بين توقعات ان يقوم حزب الله بعرقلتها إذ لا مصلحة له بها لأنها تنهي علة وجوده أي المقاومة والسلاح او أن تقوم طهران بعرقلتها بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. يستشعر حزب الله أخطار هذا التوقيت عليه لكنه يتصرف تكتيكيا وبحذر. وقد حاول الثنائي الشيعي عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري تحويل اتفاق الإطار الى انتصار والرقص على حافة الهاوية بين الإيحاء بنصر جديد انتصار وانتهاء دور بري المخالف للمادة 52 من الدستور والخصومة مع رئاسة الجمهورية ومتابعة الإشارات من طهران.

من نتائج هذه المفاوضات انه بمجرد إنجازها تكون مقدمة لاستعادة ما تبقى من الحقوق البرية والمياه وإيقاف الخروقات للسيادة دون اللجوء الى الحرب. ويكون لبنان قد اعترف بسقوط مفهوم العداء مع إسرائيل بما يشبه معاهدة سلام او إعادة إحياء اتفاق الهدنة 1949.

تتمحور عملية الترسيم حول ثلاثة أطر: الإطار السياسي والقانوني والاقتصادي. ففي الإطار القانوني يخضع الترسيم للقوانين الدولية على رأسها قانون البحار للأمم المتحدة عام 1982 والذي لم توقع عليه إسرائيل. يسجل لبنان انتصارا على إسرائيل بمجرد إجبارها على تطبيقه وبهذه الحالة يكسب لبنان جزءاً من نزاعه معها وحماية ثرواته في مياهه الاقتصادية. فعملية الترسيم بشقها التقني والقانوني تؤمن غطاء قانونيا للشركات التي ستقوم بعملية التنقيب والاستخراج والتسويق والاستثمار في المياه اللبنانية لعشرات السنين وللذين ابرموا الاتفاقات مع الشركات المعنية كشركة توتال وإينا وروس نفط.

يستفيد لبنان من عملية الترسيم بانتزاع اعتراف قانوني ودولي ومحلي بسقوط مفهوم العداء مع إسرائيل وانتهاء الصراع القائم على احتلال الأرض. كما يستفيد بتنظيم حدوده البحرية إلى أن تُنظم حدوده البرية مع الجانبين السوري والإسرائيلي. يعيش لبنان عزلة جيواستراتيجية لناحية الغاز والنفط تنتهي مع انتهاء الترسيم وهذه مصلحة حيوية للبنان. يضم منتدى غاز شرق المتوسط 7 دول بينها مصر الاردن إسرائيل اليونان قبرص إيطاليا وفلسطين تربط فيما بينهم خطوط غاز واتفاقيات. وهو منتدى جديد للطاقة في الشرق الأوسط تم إعلانه من القاهرة عام 2019 ولبنان غير مشارك فيه بسبب عضوية إسرائيل. وهكذا فإنّ اتفاقات الاستثمارات والتنقيب المسبق تحصل على حساب لبنان. فلا مصلحة أن يبقى معزولا جيواسراتيجيا عن كل اتفاقيات استثمار الغاز التي تجري في محيط شرق المتوسط.

المفاوضات التي تحمل صفة "غير المباشرة" تحصل في ظروف مأزومة لم يشهد لبنان لها مثيلا حتى في عز سنوات الحرب. ويأمل اللبنانيون أن تفضي الى حل يلائمهم ويريحهم من ازمة اقتصادية ترهقهم مع الاخذ بالاعتبار الثقة المعدومة في المفاوضات لجهة مطامع إسرائيل. تحاول اسرائيل استخدام الظروف الإقليمية المتصلة باتفاقات السلام والظروف الاقتصادية السيئة في لبنان لمصلحتها عبر بروباغندا إعلامية سياسية بدعم أميركي توحي ان عملية التطبيع قد بدأت فعلياً مع لبنان. فحين أعلن بري اتفاق الإطار حاول تصويره على انه انتصار ومن بعده مباشرة أعلن بومبيو انه مقدمة لاتفاق نهائي بين لبنان وإسرائيل.

تنظر الطبقة السياسية المسيطرة على الاقتصاد والنقد والقطاع المصرفي الى ترسيم الحدود باعتباره مكسبًا سياسيًا يجعل اللبنانيين يشيحون بأنظارهم عن فسادها وسوء اداراتها للمؤسسات والاقتصاد والامن. ويتوقف الراي العام عند مفارقة ان كل الافرقاء السياسيين مختلفون على حصصهم ويتنازعون على المسائل السياسية إلا أن المفاجأة ان كلهم اجمعوا على أهمية الترسيم البحري "الاقتصادي" مع إسرائيل.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة