"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى
في مجتمعنا كثر يتعلّقون بعلم النجوم والأبراج والحظ والطالع والتنبؤات التي تأخذ حيزاً كبيراً لديهم، إلا أنه وإذا كانت هذه الأمور في الحياة اليوميّة للإنسان ترتكز على الغيب والمجهول ولديها هامشاً من الخطأ كبير جداً إلا أنه في الحياة الوطنيّة وعلم السياسيّة يرتكز قراءة الطالع على جمع ودراسة وتحليل المعطيات الثابتة والمتغيرات السياسيّة وسبكها للخروج بخلاصة واضحة علميّة. لذا فالتقدير بالسياسة أمر علمي مهم جداً ومن يقومون به لا يعتبروا من المنجمين. لذا لنحاول قراءة طالع الحكومة العتيدة انطلاقاً من المعطيات والمتغيرات السياسيّة الجمّة في الأسبوع المنصرم.
في البلاد اليوم وجهتا نظر على طرفي نقيض الأولى تتكلّم عن استحالة في التأليف والثانية تشيّع لولادة قريبة للحكومة.
إن وجهة النظر الأولى، أي استحالة التأليف، ترتكز للخروج بهذه الخلاصة على العناصر التالية:
- العنصر الأول، هو أن العقوبات الأميركيّة التي استجدّت على النائب جبران باسيل ستجعل من فريق العهد أكثر تشدداً بمطالبه الحكوميّة، وذلك كي لا يصوّر بأنها أثرت على معنوياته وأجبرته على التنازل سياسياً وتحديداً حكومياً، الأمر الذي سيدفع هذا الفريق حتماً نحو مزيد من التشدد بمطالبه كي لا يُمنح الرئيس المكلّف سعد الحريري ورقة المنتصر عليه.
-العنصر الثاني مرتبط بــ"حزب الله" الذي كان يسعى بادئ الأمر إلى الدفع باتجاه التأليف وتدوير الزوايا قدر المستطاع، إلا أنه وبحكم المتغيرات اليوم وبظل وطأة العقوبات المستجدة على باسيل وخطاب الأخير بالأمس الذي في الظاهر حاول إخراج سبب وضع العقوبات عليه على أنه رجل وفيّ لا يترك حلفاءه ولا ينقض الاتفاقات التي يبرمها إلا أن مضمون هذا الكلام لا يفسّر سوى أنه حمّل الحزب مبدئياً سبب وضع هذه العقوبات عليه بحكم ارتباطهما، لذا سيذهب هذا الأخير لوضع مفتاح التأليف بعهدة باسيل وسيبلغ الرئيس المكلّف بأنه يرفض أي إضعاف للعهد بعد العقوبات على رئيس "التيار الوطني الحر".
-العنصر الثالث مرتبط أيضاً بـ"حزب الله" ولكن على الصعيد الخارجي حيث يريد توجيه رسالة شديدة اللهجة لواشنطن بأنه لا يمكن من خلال عقوباتها أن تخضع فريق "8 آذار" عن طريق هذه العقوبات التي طالت حتى الآن "حركة أمل"، "تيار المردة" و"التيار الوطني الحر".
-العنصر الرابع مرتبط بالرئيس المكلّف الذي يسعى إلى تأليف حكومة أخصائيين مستقلين فهو لا يستطيع تحمّل تشكيل حكومة أصبحت بحكم المتغيرات والعناصر السابقة حكومة مواجهة ما بين بعبدا – الضاحية وواشنطن.
أما وجهة النظر المقابلة، والتي تشيّع إلى ولادة قريبة ترتكز بخلاصتها هذه على المعطيات الآتية:
-المعطى الأول، هو أن لبنان والمنطقة دخلا بعد نتائج الانتخابات الأميركيّة في مرحلة طويلة من الستاتيكو بانتظار أن يتسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم ويقوم بتشكيل إدارته الجديدة الأمر الذي يعني أن لبنان سيكون أمام فترة طويلة من الانتظار قبل أن تتحرّك هذه الإدارة الجديدة لمقاربة ملفات المنطقة ومن ضمنها الملف اللبناني فيما البلاد لا تستطيع الانتظار على رصيف الأحداث والتطورات في ظل الأزمة المستفحلة الاقتصادية – الماليّة التي تمرّ بها التي تستدعي المعالجة السريعة وليس ترحيل الحلول.
-المعطى الثاني يتعلّق بتقدير "محور الممانعة" بأن الولايات المتحدة الأميركيّة من خلال العقوبات التي بدأت تتوالى عليه، والتي لا يبدو بأنها ستتوقف مع تغيّر الإدارة الأميركيّة، تريد ترهيب فريق "8 آذار" وفصل قيادته عنه وضرب الاستقرار في لبنان من أجل إفقاد هذا الفريق ورقة الدولة التي يمسك بها اليوم، لذلك يريد هذا الفريق أن يقطع الطريق على المخطط الأميركي من خلال الرد على العقوبات بتشكيل الحكومة للقول إن العقوبات شأن أميركي وليس لبناني ولن نسمح لها بالتأثير على التوازنات الداخليّة المفروضة في البلاد.
-المعطى الثالث، يتكئ محور الممانعة على أن الرئيس سعد الحريري لن يعتذر عن التكليف وهو بحاجة ماسة لدخول السراي ولكنّه بحاجة ماسة أيضاً إلى حفظ ماء وجهه، لذلك سيعمد "حزب الله" عن طريق رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الخروج بصيغة تحفظ ماء وجه الرئيس المكلّف من جهة، والعهد من جهة أخرى، فلا يتم أسر الحريري أو العهد لتلد الحكومة بشكل يرضي الطرفين.
-المعطى الرابع، بعد سقوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات في ظل مرحلة انتقاليّة ستشهدها واشنطن يمكن أن تلعب باريس دوراً متقدماً وبالتالي من المفيد أن تتشكل الحكومة في محاولة لإعادة إحياء المبادرة الفرنسيّة التي تم إجهاضها سابقاً، و"توريط" الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برعاية الحلول للأزمة الماليّة اللبنانيّة الأمر الذي توافق مع المصلحة الفرنسيّة التي تسعى للعب هذا الدور وهنا يستطيع لبنان أن يستفيد من هذه الرعاية عن طريق مساعدات أوليّة يمكن لباريس تأمينها الأمر الذي سيضخ بعض النفس في جسد الدولة لإبقائها على قيد الحياة بانتظار أن تتضح معالم السياسة الأميركيّة الجديدة.
في المحصّلة، لا شك في أن الأيام والأسابيع القادمة ستوضح لنا جميعاً أي وجهة نظر من الوجهتين هي أكثر ترجيحاً وستقدّم لنا الإجابة الشافية عما إذا كانت ولادة الحكومة سترحّل إلى أجل غير مسمى أو أنها ستدخل في مفاوضات كواليسيّة سريعة لتوليدها سريعاً رداً على العقوبات الأميركيّة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News