المحلية

الجمعة 20 تشرين الثاني 2020 - 04:00

ما بَين المنطقة والحكومة تناسبٌ عكسيّ... ولبنان ينهار انتظاراً

ما بَين المنطقة والحكومة تناسبٌ عكسيّ... ولبنان ينهار انتظاراً

"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى

شهدنا في الأيام القريبة الماضية، وخصوصاً عقب اللقاء الأخير بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري عاصفة من المصادر والمعلومات المتعارضة احياناً كثيرة والتي تتكلم على عُقد تأليف الحكومة والمساعي والحلول، فيما الأدق في الظرف السياسي الذي نعيش اليوم أن نركن إلى المعادلات السياسيّة بدلاً من التعلّق بمصدر من هنا ومعلومات من هناك لمعرفة مصير الحكومة.

المعادلة السياسيّة بالنسبة لتأليف الحكومة العتيدة هي أنها والمنطقة ترتبطان بمعادلة تناسب عكسي، فكلما تأججت الأوضاع في المنطقة تعثر وتعقّد التأليف والعكس صحيح أيضاً، لذا في ظل المتغيرات في المنطقة يمكن القول إن الحكومة العتيدة أُدخلت إلى الثلاجة بعدما وُضعت المنطقة على نار حامية.

كيف؟
نذكر جميعاً كيف كانت الأوضاع في المنطقة تمر في "ستاتيكو" منذ أشهر في لحظة تكليف الرئيس الحريري، كما نذكر جيداً كيف أن وتيرة التأليف بدأت متسارعة جداً بأربعة لقاءات بين عون والحريري ترافقت مع إشاعة أجواء بأن الحكومة ستولد في مهلة زمنيّة قياسيّة ولكنها لم تولد حتى يومنا هذا!

لماذا؟
بعد حصول الرئيس الحريري على ورقة التكليف ووضعها في جيبه تمكن من تجنب تأثير معطى الانتخابات الأميركيّة على التكليف، لذا حاول الدوس بشكل كامل على دواسة التأليف لتجنب التعقيدات بحكم المعطى السابق، وقد جاراه "حزب الله" في هذه المسألة بادئ الأمر ولكنهما لم يفلحا في إنجاز التأليف بحكم العقد الداخليّة المتمثلة بـ"وحدة المعايير"، فدخل عامل الانتخابات بتأثيراته إلى اللعبة، الأمر الذي دفع بالحزب إلى كبح مسعاه للتأليف والتريث بانتظار معرفة هوية الإدارة الجديدة في واشنطن.

يومها كان الحريري ليقبل بتأليف حكومة على شاكلة حكومة الرئيس حسان دياب وكان يعمل في هذا الاتجاه، إلا ان المتغيّر الذي قلب الموازين رأساً على عقب أتى عقب انتهاء الانتخابات الأميركيّة وتمثل بالعقوبات في حق رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل والتي ما بعدها ليس كما ما قبلها بالنسبة للحريري من جهة، ولـ"محور الممانعة والمقاومة" ومن لف لفيفه من جهة أخرى. يومها انقسم الرأي في البلاد بين مشيّع لسرعة في التأليف كرد على العقوبات والرأي المعاكس القائل بانعدام إمكانيّة التأليف مع إعطاء "حزب الله" تعويضات لباسيل عن العقوبات في الحكومة العتيدة.

أما اليوم فقد اختلف الوضع كلياً، فبعد أشهر من الهدوء تأجج الصراع في المنطقة ووُضعت على نار حامية، بعد الغارات الإسرائيليّة الصاروخيّة في العمق السوري وطبيعة الأهداف التي لم تقتصر على العتاد فحسب، على ما جرت العادة، وإنما تطوّرت لتكون شاملة أكثر. والأهم هو أن إسرائيل خرجت عن تحفظها المعتاد وبدا الجيش الإسرائيلي أكثر حماسة لإعلان التفاصيل مما كان عليه في المرات السابقة. وقد سبق هذه الغارات عمليّة استهداف للسفارة الاميركيّة في بغداد من جهة، وتحركات اسرائيليّة غير اعتياديّة قرب الحدود اللبنانية الجنوبيّة: مناورات تحاكي حرباً شاملة، خروقات جوية مكثفة وخروقات بحريّة، من جهة أخرى.

هذا المتغيّر الميداني يترافق مع تحركات سياسيّة أميركيّة مهمّة في توقيتها ومغزاها، إن لناحية التغييرات في البنتاغون التي شملت وزير الدفاع مارك إسبر أو الجولة الواسعة لوزير الخارجيّة مايك بومبيو في المنطقة والكشف عن نيّة لدى الرئيس الأميركي بشن عمل عسكري ضد إيران قبل انتهاء ولايته. زد على ذلك، المعطى الذي يشير الى ان أن العقوبات الأميركيّة ضد إيران لن تتغيّر، لأن مجلس الشيوخ بقي تحت سيطرة الجمهوريّين.

هذا وقد أضيف إلى كل هذه المتغيرات، ما كشفته مصادر سياسيّة نقلاً عن بومبيو في العشاء الذي دعت اليه السفيرة الأميركيّة في باريس من أن لا مساعدات ماليّة واقتصاديّة للبنان في حال تمثّل "حزب الله" في الحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر، كما إذا لم يتم تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين. وما نقل أيضاً عن مصدر سياسي مطلع بأن المملكة العربيّة السعوديّة موقفها واضح لناحية رفض أي مشاركة للحزب في الحكومة.

هنا لا بد من الإيضاح لضرورات القراءة الموضوعية أن المؤشرات العسكرية والميدانية التي توحي بالتصعيد تقابلها حسابات ومؤشرات سياسيّة توحي بخفض التوتر واحتواء أجواء الحرب. فإيران التي تشتهر بـ"الذبح بالقطنة" والتي انتهجت سياسة "الصبر الاستراتيجي" لسنوات مع ترامب يمكنها التحمل والانتظار لشهرين، كما أن أوروبا بدأت بحملة ديبلوماسيّة هدفها دعوة الرئيس المنتخب جو بايدن إلى مقاربة مشتركة للوضع في الشرق الأوسط والملف الإيراني انطلاقاً من الليونة التي أبداها إزاء طهران.

بالعودة إلى موضوع الحكومة، إن كل ما ذكرناه يأتي في سياق الإجابة على التساؤلات حول مصير التأليف.
فمع تبدل الأوضاع في المنطقة لم يعد الحريري في صدد القبول بالذهاب نحو حكومة مشابهة لحكومة حسان دياب بحكم الاستحالة السياسيّة باعتبار أن هدفه الأول هو الإنقاذ الاقتصادي الذي لا يمكن أن يتم من دون المساعدات الدوليّة المرجوة من ضمن المبادرة الفرنسيّة. هذه المساعدات، وبحكم السخونة في المنطقة، يستحيل أن تحصل عليها أي حكومة مواجهة يتمثّل فيها من تستهدفهم العقوبات الأميركيّة أي "محور الممانعة والمقاومة" وحلفائه.

وفي ظل استمرار صدور العقوبات بوتيرة متصاعدة، ومن المفترض أن تصدر لائحة جديدة في الأسبوع المقبل، فهذا يعني أن أي حكومة قادرة على الإنقاذ يجب أن تكون مؤلفة من مجموعة من الوزراء غير مرتبطة بمن تفرض عليهم العقوبات أي من الإختصاصيين المستقلين وهذا ما يحاول اليوم الرئيس الحريري الدفع باتجاهه الأمر الذي اصطدم برفض قاطع من قبل الثنائي الشيعي ورئيس الجمهوريّة. وهذا بديهي باعتبار أنهم يعتبرون أنفسهم في حالة مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة ومن غير الممكن أن يرموا ورقة الحكومة من أيديهم وبالتالي ورقة استئثارهم بالسلطة في لبنان.

المشكلة اليوم او العقدة ليست في من يسمي الوزراء المسيحيين كما يحاول الكثيرون الإشاعة، فنحن عملياً عدنا إلى النقطة صفر في مربع التأليف بحكم أن وعد الرئيس المكلّف للثنائي الشيعي بوزارة المال وتسمية وزرائه اصطدم بمتغيرات المنطقة ولم يعد من الممكن الاستمرار به من قبل الحريري الذي لا بد ان يضع في حساباته إمكان تعرّضه هو للعقوبات في حال مضى في تأليف حكومة مواجهة مع الولايات المتحدة.

في المحصّلة، وفي ظل عدم قدرة الرئيس المكلف تأليف أي حكومة ليست من الإختصاصيين المستقلين وعدم قدرة محور "الممانعة والمقاومة" القبول بغير حكومة مواجهة، فقد دخلت البلاد في "ستاتيكو" الفراغ حيث سيتم وضع التأليف في الثلاجة إلى حين انقشاع الأجواء في المنطقة، ما يعني في الخلاصة أن الحكومة العتيدة والمنطقة ترتبطان بمعادلة تناسب عكسي. أمّا بالنسبة للبنان واللبنانيين فلا حول ولا قوّة من الانتظار القاتل الذي يستنزف البلاد والعباد.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة