المحلية

الأربعاء 02 كانون الأول 2020 - 12:17

وطنٌ يسقط سقوطاً حراً

وطنٌ يسقط سقوطاً حراً

وهيب فياض

من ارتفاع عال بدون ضوابط ولا مكابح ولا حتى امكانية لرؤية القعر، يسقط لبنان سقوطاً حراً.

وطن اصبح مواطنوه اقل عددا من اللاجئين الى ارضه من السوريين والفلسطينيين والعراقيين ومن تبعهم ممن لفظهم طوفان بلادهم من يمنيين وسودانيين ومن تقطعت بهم السبل من اثيوبيا وبنغلادش والصومال ، ومن كانوا قد تركوا اوطانهم اصلا قبل انهيار الانظمة فيها او بداية الحروب العبثية على امل الوصول الى ملاذ امن.

وطن يستطيع فيه غير اللبناني ان يختفي عن انظار الدولة الممزقة اختفاءً جسديا، وقانونيا، وماليا، وبالتالي يستطيع ما لايستطيعه اللبناني من التهرب من القوانين ومن الضرائب والرسوم ، ويستطيع ان يعمل في اي مهنة مثل الشبح غير المرئي، يسترزق بدون ان يكون مسؤولا تجاه اي سلطة ومهما كان نوع عمله، وربما ومهما ارتفع سعر الدولار وانخفضت قيمة العملة الوطنية يستطيع ان يرسل الى اهله في بلدان اشد فقرا وسقوطا من لبنان بعض المال، خصوصا اذا كان يسكن في المخيمات ايا كان نوعها وراعيها، او في املاك الدولة السائبة التي يمكن وضع اليد عليها وانشاء منازل ممن لا يملكون، ولكنهم بالواقع احسن حالا من اصحاب الاملاك الخاصة ، لانهم لا يدفعون بارة الفرد، لا للدولة مالكة الارض، ولا للخدمات التي تقدمها مصالح النفايات والكهرباء والمياه وسواها، وفوق ذلك صاروا يتداولون هذه الاملاك بيعا وشراء وكأنها ملك شرعي ودون ضرائب على البيع والشراء.

وطن صارت بعض مناطقه واحات للتفلت من سلطة الدولة المركزية، لا تخضع لسلطة الدولة وينمو فيها الجهل وما يرافقه من امراض اجتماعية وجسدية وامنية نموا سرطانيا فائق السرعة بدون علاج.

وطن لم ترسّم حدوده رغم مرور مئة سنة على انشائه ، فلا حدوده البرية معروفة ولا مياهه الاقليمية واضحة المعالم، وحتى مواطنوه في المناطق الحدودية لايعرفون هل هم مواطنون لبنانيون ام لا، والى من يلجأون في امور حياتهم ومشاكلهم اليومية.

وطن كل منطقة من مناطقه متسلحة بشبه استقلالها الذاتي وكأننا مجموعة اوطان لا وطن واحد.

وطن يتهاوى تحت ضربات من يتحكمون بقراره ، وقد اتعبوا وحيّروا كل من مد اليد للمساعدة ، فجماعة المعارضين لقوى الممانعة هّشلوا العرب وجننوا الفرنسيين، واغرقوا الاميركيين في وهم استطاعتهم تغيير المعادلة الداخلية.

اما جماعة الممانعة فقد صوّروا البلد رجلا اليا لا يتحرك الا رهن اصبعهم، وان معارضيهم ما هم الا عملاءوخيالات صحرا، وانهم قادرون فوق كل قادر، على اجتياح الجارين البريين بجيوش جرارة، تنتظر اللحظة المناسبة للدخول على محورين واحد الى فلسطين المحتلة من الجليل والجولان ووراءهم قوافل العائدين من اللاجئين الفلسطينيين الى ما بعد بعد حيفا، واخر من سلسلة جبال لبنان الى عمق سوريا لتحريرها من الاميركيين والاتراك والروس وسواهم من القوى التي جعلت سوريا لوحة احتلالات سوريالية، ووراء قوافل جيوشهم مليوني مهجر سوري يعودون مظفرين الى ارزاقهم وبيوتهم، التي ستعود بسحر ساحر عامرة وكأن لم يمسها اذى الحرب.

فساد حكّام يحميه سلاح غير شرعي ، يغطي سلاحا شرعيا، يستعمل لمنع ما تبقى من اللبنانيين المسحوقين الرازحين تحت ضغط سرقة اموالهم وموارد دولتهم، من رفع الصخر عن قبرهم لان هذا الصخر هو الاساس الذي بنيت عليه قلعة تحالف السلاح مع الفساد.

كل ما تقدّم يشكِّل وصفة جاهزة لثلاث احتمالات لا فكاك من احدها :

أولها حرب خارجية على لبنان تحاكي نماذج العراق وليبيا وسوريا ، اذا اتت من قبل المعسكر الغربي، سيهلل لها انصار السيادة والاستقلال المعتقدون خطأ انها ستدمر خصمهم اللدود حزب الله ومن معه من قوى الممانعة، وهذا امل مثل امل ابليس في الجنة، فلا حزب الله في هكذا حرب سيندثر ولا اخصامه سيهيمنون، واذا اتت من معسكر الممانعة مدعوما بقوى شرقية، فلا الممانعة ستحسم الصراع لصالحها، ولا خصومها سيستسلمون لها، وفي كل الحالات نكون قد زدنا على جرح الوطن جروحا وعلى جسده المنهك اسبابا جديدة للوفاة السريرية، ذلك لان حروب الاخرين التي خبرناها ودفعنا ثمنها تخضع لمصالح الامم التي تشعلها لا لامنيات المهللين داخليا، على اي ضفة كانوا.

وثانيها حرب داخلية بين جُزُر في ارخبيل وكل جزيرة فيه ضد جارتها، و يقبع كل منهم في منطقته، يحالف اليوم منطقة اخرى لينقلب عليها غدا، حسب الحاجةًويقنع سكان جزيرته بالاستشهاد في سبيل البقاء، ويستجدي الخارج لدعمه عندما يضعف، ليصير اداة كالسكين يسنها حاملها كلما اراد الذبح، ويغمدها بين الذبيحة والذبيحة والتي هي دائما سكان هذه الارض الذين رماهم القدر في اتون لا تخبر نيرانه، يسمونه وطنا، وليس فيه من مقومات الاوطان الا الاسم.

واما ثالثها ففوضى عارمة، تصبح فيها الدولة المركزية اثرا بعد عين، وتستباح فيها املاك الدولة وثروات الوطن التي لا زالت في باطن الارض او باطن البحر، من قبل مشايخ الجزر المتنازعة، فيزدادون غنى، ويزداد سكان الجزر فقرا .

أتوق الى احتمال رابع لا ارى حتى الان ملامحه او ارهاصاته، فعسى ان يكون بين اللبنانيين من يستطيع اجتراح معجزة ولادته، ومن الان وحتى تتكون ظروف ومعادلات ورجال دولة وسترة نجاة من لجةً لا قرار لها، فسقوط حر لوطن ايا كانت الوصفة، سيتحول الى شظايا كما النيازك عند ارتطامها بالارض، ولكن شظاياه ستصيب كل من تخاذل عن ايقاف سقوط النيزك، او تحويل مساره قبل الارتطام المميت بالارض.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة