"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
مبدئياً، وصلتِ المفاوضاتُ غير المباشرة بين لبنان والعدو الاسرائيلي حول ملف ترسيم الحدود إلى حائطٍ مسدود. ما يرشح عن أقنية دبلوماسية على صلة بالملف، يفيد بالتالي: "الأمور واقفة، وستبقى كذلك ما دام أن لا وحدة معايير واضحة حول الأسس التي يجدر أن يُبنى عليها التفاوض". ما يعنيه ذلك أن الأمور ستطول!
هكذا وببساطة، تسلّلت "لعنة وحدة المعايير" إلى طاولة الناقورة، فأُجهزَ عليها.
يتوقع أن يدوم الجمود فترة طويلة من الزمن ما دام أن الجهات الثلاث المعنية بالملف، أي اللبنانية و الاميركية والاسرائيلية، لم تعد تتعاطى معه كما كانت الأحوال عند البداية. ما يؤشر إلى ذلك جملة عوامل، بينها الموقف الاسرائيلي من تعزيز الملف اللبناني بحدود جديدة بلغ سقفها 2290 كيلومتراً مربعاً، وإنشغال الجانب الأميركي بتبادل السلطة في واشنطن، وضياع المستوى اللبناني في نقاش داخلي حول اهليّة طرح مبدأ التفاوض على 1430 كيلومتراً مربعاً زيادة من المياه من عداه.
الاجتماع الاخير لوزيرة الدفاع ورئيس الوفد اللبناني المفاوض مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري يعطيان صورة مصغّرة حول طبيعة التعاطي الرسمي اللبناني مع ملف التفاوض، المبني على اختلاف التوجهات في تقدير المصلحة اللبنانية، وهما الاجتماعان اللذان رشح عنهما بوادر انقسام حادّة قد تحول دون مشاركة الوفد اللبناني بأيّ جلسة تفاوض في حال أُعيدَ إنعاش المسار.
رئيس الجمهورية ميشال عون ما زال عند نقطة منحِ الثقة للوفد اللبناني لإنجاز الملف. هو يدعم التعديل الذي أدخل على اتفاق الإطار ونقل قاعدة التفاوض من 860 كيلومتراً مربعاً إلى 1430 كيلومتراً مربعاً بناءً على إعتماد آليات دولية لرسم خط جديد منحت لبنان حق الحصول على 2290 كيلومتراً مربعاً من مياهه، وأعاد تكرار دعمه وفق الأسس ذاتها. خلاصة موقف ميشال عون أنه "سيمضي في المعركة إلى النهاية، وما دام أن تثبيت حق لبنان يرتبط بتوقيع مرسوم، فـ "هيا بنا!".
رئيس مجلس النواب نبيه بري يخالفه الرأي. يعتبر أن رفع سقف التفاوض إلى مستوى 2290 كيلومتراً مربعاً بخلاف ما اتفق عليه بدايةً "يمثّل أذية للموقف اللبناني ويضع مستقبل المفاوضات في المجهول، كذلك حق لبنان في استثمار حقوقه النفطية"... هكذا، اعلن بري أمام الوفد الذي زاره رفضه الموافقة على تمرير "مرسوم" يحدد مساحة لبنان البحرية بـ229 كيلومتراً مربعاً وبالتالي "لن يمر"، مطالباً بالرجوع إلى إتفاق الإطار.
لموقف بري "دستت" أسباب. في جانب، يبدي حرصاً على عدم التلاعب ببنود اتفاق الإطار الموقع مع الجانب الاميركي الذي يرعى المفاوضات، ما يعني حكماً تخلي الاميركيين عن رعاية المفاوضات. خشية عين التينة تتموضع في إحتمال مغادرة الأمريكيين نقطة الرعاية، ما سيمثل خسارة لبنانية. في جانب آخر لا يريد بري أن يستجلبَ إلى عين التينة، مزيداً من الضغط من الجانب الاميركي، الذي سيحمّل عملياً، بري مسؤولية اي تعديل في بنود اتفاق الإطار. وفي زمن إعتماد الاميركيين على منطق العقوبات، يجب إذاً حفظ الرأس!
ثمة جانب آخر له علاقة بالثقة، فحين دخل بري في مفاوضات بالنيابة عن الدولة اللبنانية مع الجانب الأميركي، إنطلق من سقف خط الـ860 كلم2 وبقيَ ثابتاً عليه طيلة 10 سنوات من الأخذ والرد، لذا يعتبره بري أن الخط الأفضل لبدء مسار التفاوض. لاحقاً ومع إنجاز "الإطار"، اسدى وعداً إلى الجانب الاميركي بأن ينطلق التفاوض على اساس خط هوف، اي 860 كيلومتراً مربعاً، وأن يجري الالتزام به. إما الآن ومع دخول الخرائط الجديدة، عندئذٍ تصبح مصداقية بري على المحك!
على الضفة المقابلة، ثمة من يدّعي ويقول أن بري مُنيَ بهزيمة نكراء من وراء سير رئيس الجمهورية بخط الـ1430 كيلومتراً مربعاً الذي يمثل عملياً خط "قيادة الجيش". يبني ذلك على أن بري في الأساس إكتفى بإنجاز اتفاق الإطار ألقى بمسؤولية استئناف التفاوض على رئاسة الجمهورية، وكان بري هنا يعتقد بل يجزم، انه وفي حال أنجز الاتفاق على أساس "الإطار" فسيكون له حصة الأسد سياسياً وسيقاسم عون الانجاز، إما وفي حالة تراجع عون أو سقوطه في المنفاوضات فسيتحمل النتيجة وحده. الآن ومع اختلاف الخطوط اختلفت النظرة. ما كان يمثل إحتمالاً لرسوب عون أضحى سبباً لنجاحه، بل بات يمتلك عنصراً هاماً في المفاوضات حتّم على الجانب الاسرائيلي التراجع إلى الخلف وإعادة درس خياراته.
عملياً، باتت عين التينة أسيرة الوعود الممنوحة للاميركيين، والمستوى اللبناني أسير الضياع في تقدير الموقف الاصح من المفاوضات، والاخطر، اسير "الدعاية الاسرائيلية" التي تلقي باللوم على جمود المسار على الجانب اللبناني، وها هي تنظر إلى الخلاف الدائر على الجغرافيا اللبنانية بسعادة، فما يتكفّل السياسيون اللبنانيون الآن بإسقاطه بالتكافل والتضامن فيما بينهم، كان الاسرائيليون يبحثون عن طرق لتطبيقه.
في الواقع، المستوى اللبناني ضيّع عوامل القوة التي جرت ترجمتها على طاولة "الناقورة" في الزواريب السياسية الداخلية. كان يجدر بالحد الادنى اعتماد خط الـ1430 كيلومتراً مربعاً كسقف للتفاوض، وطبيعة التفاوض علمياً، مبنية على ضرورات رفع الحد الاقصى للوصول إلى الحد الادنى...
هكذا، وبفعل غياب الكيمياء بين بعبدا – عين التينة باتت عناصر القوة اللبنانية على الطاولة فاقدة للصلابة ومعرّضة لتشوية، وبدل ان يكون الجانب اللبناني مبادراً، بات يطلب منه الآن تشذيب طروحاته التي سبقَ و تقدم بها من أجل استئناف مسار التفاوض، إذاً على لبنان التضحية!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News