مِن طرابلس.. لعنَة الله عليكم

ليبانون ديبايت - روني ألفا

قليلاً مِن طرابلس لَو سَمَحتَ يا الله. قَليلاً مِن مدينَتِكَ التي أَسمَتْ نفسَها على اسمِكَ القدّوس. قليلاً مِن مساجِدها وكنائِسِها ومن العيش الواحِد الذي صارَ أندَرَ مِن ربطَة خبزِ الفَقير وجرعَةِ الماءِ في فمِ البائِس وطعمَ اللحمِ في إمعاءِ اليَتيم. قليلاً مِن طرابلس بعيداً عَن الطّغمَة التي أكلَتْ مِن خيراتِها وأقرَب إلى بائِعي الكعكِ في أزقّتِها وصيادي الأسماكِ في مينائِها. طرابلس في شَهيقِنا الوَطَني وزَفيرِنا القَومي. كانَت فرجَتَنا يا الله. عندما كانَ الهروبُ إلى رائِحَةِ البساطَة يراوِدنا كنّا نهربُ إليها. كنّا نؤمّها كَمن يَغدو إلى صَلاةِ الفَجر. مِن رأسِ خاناتِها إلى أخمَصِ مينائِها كانَ تغسلنا بالفُضول وكنّا نكتَشفُها بالتّجوالِ حيناً وبالتسكّعِ في مَقاهيها أحياناً أخرى. طرابلس تجعَلُكَ تَحتَسي كوبَ الشاي مَع التاريخ. يجالِسُكَ عَلى الطاوِلَة ويُفاوِضُكَ على مجدٍ غابِر.

قليلاً من طرابلس يا الله قبلَ أن تُصلَبَ المَدينَةُ على أيدي القَراصِنَة. مِن سرايا المَدينَةِ البحريَة وبلديتِها يتحوّلُ دمعُ الجِياع إلى حِجارَة والفقرُ إلى قبضَة والظلمُ إلى ثَورة. بالطبعِ ستلعَبُ السياسةُ في طرابلس. تغذَّت مِن حَماقَة أهلِها أوّلاً. باعوها واشتَروها عَلى مَدى سَنوات واقتَسَموا ثيابَها. في الإنتخابات أولاً ثمَّ في صراعاتِ ديوكِها. خلفَ أسوار الصّراعات لَم يتحرّك شيئ في طرابلس. بقيَت عَزيزَةً في فقرِها. كَريمَة في بؤسِها ومُحِبَّة للحَياة وسطَ الموتِ المُحيطِ بِها. كلُّهُم أثروا يا الله منها. علّوا جدرانَ منازِلِهم ولَم يتركوا منزلاً لِفَقير يأوي إليه بعدَ نهارات التأوه.

كَم مُخجِلٌ التعاطي مَع جرح طرابلس بتراشقِ التّهَم. ماذا يهمُّ الفقراء أن يبطحَ حزبٌ حِزباً أخَرَ فيها. أنتم الذينَ تَقولونَ أن طرابلس صارَت مَكتَب بَريد. رسائلُكُم حوّلتها كذلك. كلّكم مِن دونِ استِثناء. الفقرُ هناكَ خَرَج عَن الإذعان. ما أسرَعَ أن يتحوّلَ الفَقرُ إلى أحقاد. التطرّفُ يدخلُ مِن الأحقاد إلى الأكباد. ستكونُ معالَجة طرابلس بالأمن مستَعصية. لا يمكِنُ قمعُ الجوع بِكَم الأفواه. لا بالرّصاصِ الحَيّ ولا بالضّمير الميت تحدثُ التُّخمَة. طرابلس صارَت في مقلَبٍ جديد. صارَت بيَد الجنون. جنونٌ يلهو بِها رغماً عَن أهلِها. راياتٌ جَديدَة ستُرفعُ مِن طرابلس وسَتكونُ إمارَةً للخوف. أنتم جَميعاً رسمتُم العَلَم واخترتم القِماش ورفعتم الصاريَة.

الفوضى فازَت في السباق على الأمن. الجيش سيدفَع ثمن ألاعيب السياسَة القَذِرَة. بعدَ إحراقِ السّراي في طرابلس ستحرقونَ أي شيء. أنتم حلفاء داعِش والنّصرَة. طرابلس اليَوم تدفنُ شُهَداءَها. أنتم قتلتموهم. أنتُم قَتَلة. التاريخ سيحاسِبُكُم. أُهرُبوا مِن بيوتِكم. غادِروا قصورَكُم. لَن يتوفّر لَكم الوَقت لأخذ الغالي والنّفيس. أهربوا بإرواحِكُم. صَلّوا ألا يمتَدَّ الجنون إلى بيروت وصيدا والبِقاع. البَلد عَى وشك إعلان بؤرٍ من الأمن الذاتي. أنتم تَخوضون حَرب بيانات وفي لبنان حروب على وحدَة لبنان. باسمِ حقوق الطّوائِف ستدمّرونَ كنائس الأطراف ومساجِدِها. مِن مدرسة الفرير في طرابلس، مِن كنيسة القديس جاورجيوس، مِن مقبَرَة ما يوحَنّا، مِن كنيسَة سيّدة الحارَة، مِن كنيسَة مار مخايل في حارَة النّصارَى وشَقيقَتها عند طلعَة القِبَة القَديمَة، مِن كنيسَة ما نيقولاوس، من كنيسَة القديس جورجيوس في محلّة الدباغَة ومِن مئات المَساجِد والمَدارِس التي جعَلَت مِن طرابلس أجمَل وأبهى وأقدَس مَدينَة في الشّرق. من التقوى التي صارَت أنقاضاً ومن تلكَ التي ما زاَلت تغنّي حبّها للخالِق. مِن كلّ هذه الرّموز والمآثِر والأجراس والمآذِن. مِن مَطاعِمِ طرابلس الشعبيَّة إلى أسواقِها المتّشِحَة بالتاريخ والمحميَّة مِن أسطح البيوت الوَديعَة. مِن كلّ طرابلس قَلباً وقالباً نَقولُ لَكم: لعنَة الله عليكم ولا بدّ أن يَستَجيبَ الله لِدعاءِ الفقراء والبؤساء والمَحرومين مِن وَطَن في بؤرَةٍ يأنفُ فيها الفَساد مِن فسادِكُم. أنتُم حُثالَة. لا تستَثنوا مِن حثالَتِكُم أحداً. فقط دعوا طرابلس وشـأنَها. هي كَفيلَة بعيداً عنكم يا أنذال بالعَودَة المَيمونَة إلى أجراسِها ومآذنها.