"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
يدور حِراك حكومي عاجل في الداخل بحثاً عن ثغرة يُمكن من خلالها العبور نحو تجديد "عوامل الثقة" المطلوبة أولاً، من أجل الشروع بتأليف حكومة جديدة. على الأرجح ونسبةً لما يتوفّر من معلومات، يُمكن تصنيف الحراك الجاري حالياً، وعلى أكثر من صعيد، كونه الأخير قبل الذهاب إلى سيناريو "الكل يقبّع شوكه بإيديه".
ما يُعدّ لافتاً، أن كل الحراك الجاري حالياً، سواء من فوق أو من تحت الطاولة والكواليس يدور، بينما رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بصفته المعني الأول بتأليف الحكومة، يلوذ في الخارج شبه معتكف وكأن لا علاقة له بما يجري. والمفارقة الأكبر أنه ولّى بعض المستشارين لديه وكلاء عنه، من دون أن يكون لديهم صفة التقرير بإستثناء تبادل الرسائل واستطلاع الأجواء وإعداد التقارير.
أسلوب تعاطي الحريري الأخير، والذي انكشف منذ ما بعد جلسة "قصر الأونيسكو" السبت الماضي، أرخى عن أجواء غير سليمة، إنما غير ملائمة لتأليف حكومة. بحيث كان يجدر به البقاء في بيروت لتتبّع آخر مجريات النتائج والمواقف وتطورّها وما سيصدر من تعليقات، على أمل "تقريشها" في التشكيل، لا الفرار إلى الخارج، وإتاحة الفرصة لاتهامه بأنه لا يسعى إلى تأليف حكومة.
عملياً، ثمّة أكثر من متطوّع دخل المسار على نية إنقاذ التأليف. السيد حسن نصرالله يُعَدّ آخرهم، إذ بات وبنتيجة "دهم المهل" يتموضع في دائرة أقرب إلى كل من رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي، وهي الدائرة التي يتموضع فيها أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
السيد نصرالله، وكما كان منتظراً، وضع أسساً للحل. نسف بدايةً أي احتمال لاستقالة رئيس الجمهورية. في المقابل، رفض الدعوات لدفع رئيس الحكومة المكلّف صوب الإعتذار، أي وازنَ بينهما. لكن دفاع نصرالله عن الحريري لن يكون مطلقاً أو مفتوحاً بل مشروطاً بمهل زمنية للتأليف. من جهة أخرى، ربط الحل بطريقين لا ثالثَ لهما: إما اتفاق الرئيسين عون والحريري وإما المساعدة من صديق. وفي السياق، أسدى نصيحة إلى المتقاتلين بوجوب الإستعانة بالرئيس نبيه برّي من أجل إتمام مراسم المولود الحكومي.
في الواقع، تقاطع طرح نصرالله مع مؤشرات إيجابية، نُقلت عن عين التينة حول استعداد بري للشروع بوساطة جديدة على قاعدة: تأليف حكومة متوازنة من 24 عضواً. إقتراح بري اشتمل على دفع من نصرالله، ما يوضح عمق التنسيق والتواصل بينهما لتوفير حل حكومي متوازن. ومن كان "ينقّ" دائماً باحثاً عن ضغط "أو دور" يُمارسه "حزب الله" يمكن عبره تزخيم حضور الملف الحكومي، فها هو قد توفّر. فصحيح أن "طرح نصرالله" لن يشكل عنواناً لممارسة أي ضغط على أي أحد، لكن الصحيح أيضاً أنه سيكون له دور المحفّز والراعي، لأي وساطة إيجابية تسفر عن تأليف حكومة. والحزب سيعمل على خط تهدئة ثنائي بعبدا ـ ميرنا الشالوحي، في المقابل، سيتولى بري بإحاطة من "حزب الله"، تجفيف المنابع التي تُعد مصادراً لتزويد الحريري بنماذج العرقلة، وسيدفع باتجاه جرّه إلى منطقة وسطية تفصل بينه وبين عون، وذلك، على أمل تنفيذ الوعد الذي أسداه إلى البطريرك الراعي حول جهوزيته لتقديم نسخة حكومية معدلة ليُصار لرفعها إلى قصر بعبدا، وهو ما يجب أن يأخذ بعين الإعتبار عدم مُغادرة القصر قبل الإتفاق على تشكيلة، تماماً كما اشترط نصرالله خلال خطاب عيد المقاومة والتحرير.
والدفع المعمول به حالياً، والذي يحتاج طبعاً إلى مؤازرة مباشرة من الحريري، وليس من خلف الحدود وعبر خدمات الوكلاء، لن يكون خارج المهل الزمنية، بل أن إطاره المفترض، سيأخذ في عين الإعتبار نيل أجوبة شافية بوقتٍ سريع، ثم عكسها أجواءً إيجابية ضمن مهلة شهر غير قابلة للتمديد، ولا بد أن تتوفّر خلالها عوامل مساعدة لجهود المعنيين، وتدفع بتأليف حكومة يُفترض أن تولد، في حال بقي الحراك على هذه الوتيرة ونال ما يبتغيه، بموعد أقصاه الشهر المقبل، أي قبل 11 شهراً من فتح صناديق الإقتراع و7 أشهر قبل الدخول في زمن الحملات الإنتخابية.
لكن ذلك، لا يعني بالضرورة أن "حزب الله" سيبقى متمسكاً بالحريري مرشحاً أوحد في حال نسف احتمالات الحل الحالية، وهي المهلة التي تُعدّ بالنسبة إلى "الثنائي الشيعي" بمثابة الإنذار الأخير. وفي حال لم يستغلّ الحريري المهلة الزمنية، سيعني ذلك خروجاً للثنائي عن صمته أولاً، وثانياً ذلك سيعني أن حكومة تصريف الأعمال ستبقى أقلّه حتى أيلول المقبل، ويُقال أن الوزراء أعدّوا أنفسهم لهذا الإحتمال.
أمر آخر، أن الحريري، وفي حال كرّر أعماله السابقة المنافية للتأليف متعمّداً "تفشيل" أي خطوة أو وساطة يُراد من خلالها تأليف حكومة من دون حجة أو ذريعة مقنعة، فإنه سيجد نفسه أمام احتمال واحد لا بديل عنه، وهو الإعتذار، إنما سيصبح مطالباً به من قبل من غطّوه ودعموه، عملاً بقاعدة أن أحداً لن يبقي على ثقة تُستخدم في غير مكانها وأهدافها، وأولهم الحزب الذي سيندفع مع حلفائه، أي بري وعون و"التيار" والآخرين، للبحث عن بديل يتولى إدارة الفترة الإنتقالية التي ستسبق الإنتخابات بعدما غدت أمراً واقعاً لا مفرَّ منه.
وسواء شكّل الحريري حكومته أم لم يشكلها، فالثابت الأكيد أن حكومة "الإصلاحات والإنقاذ" التي يُنادى بها اليوم، سُفّرت إلى موعد أقصاه بعد الإنتخابات النيابية عام 2022، لسبب أن الفترة الفاصلة والمتبقية عن تلك الإنتخابات لا تتجاوز 11 شهراً هي عبارة عن 6 أشهر تتيح العمل وما تبقى منها سيدفع إلى التفرّغ لإدارة الإنتخابات النيابية، وحيث أنه لا يمكن لحكومة تتألف على مشارف الإنتخابات أن تتّخذ قرارات إصلاحية تصنّف في إطار "غير الشعبية".
هذا الجو، يفتح عملياً الباب أمام ارتفاع إحتمالات تأليف حكومة "إنتخابات - إنتقالية" على غرار الحكومة التي رأسها نجيب ميقاتي عام 2005، بشرط أن تكون من غير الطامحين سياسياً، وتتعهد، من رئيسها وإلى صف وزرائها، بعدم الترشّح والإكتفاء بإدارة الإنتخابات وتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News