"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
زيارة قائد الجيش الى فرنسا تستدعي التوقف عند مخرجاتها من باب التحليل ليس إلا.
المُخرَج الأوَّل خرقُ الرئيس الفرنسي لبروتوكول يحرصُ الفرنسيون على التقيد به دون استثناءاتٍ تُذكَر. رئيسٌ فرنسيٌّ ضاقَ ذرعًا بطبقةٍ سياسيّةٍ لم تلتزم بتعهداتها فبادلها بلقاءِ قائدِ الجيش لمدة نصفِ ساعةٍ من الوقت. المُعلَنُ من اللقاءِ مؤتمرُ دعم. المُضمَرُ ترجيحاً أيُّ لبنان للمرحلةِ المقبلةِ وأيُّ دورٍ للمؤسسةِ العسكرية.
المُخرَج الثاني هو تكريسُ المؤسسةِ العسكرية كجسرِ عبورٍ بين الدولة المتهالكةِ والشعبِ اللبنانيِّ التائقِ الى حجِّ خلاص. الدولةُ الفرنسيةُ تدرِكُ رغم الخيباتِ المتتالية خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت انه من غير المجدي قطعُ خيطِ معاوية مع المؤسسات الرسمية في لبنان لكنها تدركُ أيضاً أنَّ الجيش باتَ المؤسسةَ التي يمكنُ أن تلعبَ دور الوسيط النزيه وحامِل المفتاح في بلورةِ أي حل مقبل.
المُخرَج الثالث هو انتقالُ المؤسسة العسكرية من حالةٍ تقنيةٍ وطنيّةٍ الى حالةٍ قادرةٍ بحكمةٍ ودقةٍ وحرفيةٍ على التماهي مع طموحاتِ الناس. لأول مرةٍ يُحَمَّلُ قائدُ الجيش مسؤوليةً تتخطى الميدان. فرنسا تصدّقُ ان قائدَ الجيش لا يملكُ طموحًا أو برنامجًا أو خطةً أو إستراتيجيةً سياسيةً سلطويةً ولأنه كذلك كسرتِ الرئاسةُ الفرنسيةُ بروتوكولها وحمّلتهُ توقَ المواطنين اللبنانيين الى الحريةِ والإنعتاق.
المُخرَجُ الرابِع مؤتمرُ الدعم. فرنسا أبلغتْ قائدَ الجيش رغبتها في تنظيم مؤتمرِ دعمِ الجيش والمؤسسات الأمنية في لبنان. بصرفِ النظر عن صاحبِ الفكرة ومن بادرَ اليها فالأهمُّ ان فرنسا هنا أيضاً كسرتْ بروتوكولاً في مناقشةِ المؤتمر المذكور مع قائد الجيش بدلَ مناقشته مع الحكومة اللبنانية. الأهم أيضاً ان فرنسا اعتبرت الجيش اللبناني ناطقاً باسم كل المؤسسات الأمنية في لبنان تاركة لقائد الجيش اختيار مقاربته معها بما لا يختزلها ولا ينتزع من دورها أو صلاحياتها.
المُخرَج الخامس هو انضمامُ حكوماتٍ غربيةٍ عدة دعماً لمؤتمرِ الدعم وبمباركةٍ أميركيةٍ ما يدلُّ على أن هناك توافقٌ دوليٌ لرفدِ الجيش والمؤسسات الأمنية بكل ما يسهّلُ لها المهمات الأمنية عموماً ومحاربةَ التهريبِ وضبطَ الحدودِ ومواجهةَ الإرهابِ خصوصاً. مع تزايدِ الأصواتِ الدوليةِ الداعيةِ الى مقاطعةِ الدولةِ اللبنانية من الملفتِ ان تتآلفَ وتتوافقَ الأصواتُ نفسُها على دعمِ الجيش اللبناني.
المُخرَج السادس وهو شديدُ الدلالة. مجتمعٌ دوليٌ يبادرُ الى دعمِ المؤسسةِ العسكريةِ فيما يمنعُ أي مساعدةٍ للبنان قبل تشكيلِ حكومةٍ إصلاحيةٍ تسيرُ بمندرجاتِ وشروطِ البنك الدولي. جيشٌ يحظى بمساعداتٍ ماليةٍ وعينيةٍ تُمنَعُ عن دولةٍ هو جزءٌ منها. جيشٌ يعملُ تحت سلطةِ حكومةٍ مرفوضةٍ دولياً يحشدُ بِاسْمِ تضحياته إجماعَ المجتمعِ الدولي لدعمه ومساعدته من دون أية شروطٍ مسبقة. واضحٌ ان المتبرّعَ يعرِفُ تمامًا ان المؤسسةَ التي تستحقُّ الدعمَ تتميزُ عن السلطة التي لا تستحقه.
المُخرَج السابع هو عدمُ التزام فرنسا بالدعم بطريقةٍ تقليديةٍ متعارفٍ عليها. رسالةٌ فردُّ جوابٍ فتعاونٌ بين ملحقٍ عسكريٍ وضابطٍ رفيعٍ فطائرةِ مؤنٍ فرسالةِ شكرٍ وامتنانٍ فردٍّ بمثلها. عدةُ دولٍ أرسلت طائراتٍ مدججةً بالعتاد والمؤن وأخرى بالمال. إصرارُ فرنسا على تخصيصِ الجيشِ وقائده بزيارةٍ خاصة يعكسُ مدى رسوخِ الوطن اللبناني بكل قيمه مع قيم الجمهورية الخامسة في فرنسا. تكرارٌ وتأكيدٌ على فرادةِ وعمقِ العلاقات اللبنانية الفرنسية ورسالةٌ واضحةٌ ان فرنسا لن تتركَ لبنان في هذه المرحلة الإنتقالية الدقيقة.
المُخرَجُ الثامن داخليٌ ومثيرٌ للعجب. طبقةٌ سياسيةٌ من يمينها الى يسارها لم تعلّق لا سلباً ولا إيجاباً على الحدث. " رأسُ سعرِ " المواقف بياناتُ رفعِ عتب. طبقةٌ لا تحتملُ أن تكون " مُقاصَصَةً " وأن تنالَ المؤسساتُ التي لطالما ارادت هذه الطبقة تطويعَها شيئًا من الاحترام لدى المجتمع الدولي. في عزّ محنتِها حيثُ لا يجبُ ان تشعرَ الا بتوبيخِ الضمير تستمرُّ الطبقةُ هذه في استنساخِ أحقادها على مكوناتها وعلى كل ما لا يشبِهُ أدرانَها وموبقاتِها وارتكاباتِها.
المُخرَجُ التاسع سيظهرُ تباعاً ويتلخصُ بمحاولاتٍ ماراتونية حثيثةٍ لإلغاءِ سباقِ قائدِ الجيش للرئاسة. إصرارٌ على تسجيله في المباراة من دونِ إرادتِه. إلغاءُ بطاقةِ تسجيلِه التي لا يحملها. حرمانُهُ من رئاسةٍ لم يصرّح يوماً أنه يريدها. في المحصّلةِ خلقُ مرشحٍ رئاسيٍ واغتيالُه معنوياً. الخوفُ من أن يتحوّلَ يوماً ما الى مشروع. قتلُ المشروعِ في مهدِهِ قبلَ ولادته. اتِّباعُ خطاه وهو في بيتِ الرحم ونحرُهُ جنينًا. الهَودَسَة بكرسيٍ صارت نُتَفًا أيُّ نفعٍ لها اذا هَلكَتِ الجمهوريةُ التي مِن أجلِها يُجلَسُ. لطالما ردّدَ قائدُ الجيش كلامًا من هذا الطراز إنما " لقد أسمعتَ لَو ناديتَ حيًا ولكن لا حياةَ لِمَن تُنادي، وَلَو نارًا نفختَ بها أضاءَت وَلَكِن أنتَ تنفخُ في الرَّمادِ.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News