"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
في المبدأ، وضع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إعتذاره على الطاولة. المحيطون بعملية التأليف باتوا في صورة خطوته لكنهم يستدركون ويتقصّدون تأخير إنجازها من خلال "الرّك" على مسألتين: عدم يأس الرئيس نبيه بري من مبادرته وبالتالي تركها "فوق الطاولة"، والأجواء التي تمخّضت عن اجتماع "البيّاضة" فجر أول من أمس، وارتفاع أسهم إنجاز "شيء حكومي" تحت الضغط!
إذاً محاولات "زرك" الحريري مُستمرّة. خلال الساعات الماضية برزت أجواء توحي بـ"نصف إيجابية" تُنشد احتمال حصول "حلحلة حكومية". تزامن ذلك والجلسة الماراتونية الليلية "الخليلية ـ الباسيلية" في "البياضة"، و"أمر عمليات" مصدره "حزب الله" مضمونه: "ألّفوا حكومة الآن".
لدى "حزب الله" مشروعاً "إنقاذياً" يريد الشروع بتنفيذه، لكن ليس من خارج الدولة بل من خلالها. هذا يُوجب تأليف الحكومة إذاً ومن دون تأخير. هذا ما أنذر به وألمح إليه الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، خلال خطاب "ثلاثينية قناة المنار". التلكؤ عن التأليف وبالتالي "إبطاء" مشروع الإنقاذ الذي يعمل الحزب على إنجازه لا يعني بالضرورة عرقلته أو إيقافه. الحزب ماضٍ في إجراءاته، والضاحية بصورة أي تطوّر قد يحدث، لذلك وضعت خطة "ب" و "ج" و "هـ" .. و "ي" لإنجاز ما ينبغي إنجازه لوقف الاحتكار وعمليات إذلال المواطنين في الشوارع، وما على الدولة والحلفاء إلا استلحاق أنفسهم، كي لا يضطرّ له فرض تطبيق سيناريو "أمر واقع بالإكراه".
بالتزامن، استرعى الانتباه إعلان وقف إمدادات المحروقات إلى اللبنانيين بذريعة رفض مصرف لبنان توفير اعتمادات، ما يُنذر بإنقطاع مادتي البنزين والمازوت بصورة شاملة، وقد جاء ذلك بعد ساعات على تهديد السيد نصرالله بالتوجّه للتفاوض مع الحكومة الايرانية من أجل توفير المحروقات إلى الشعب اللبناني من خلال بواخر تحطّ في مرفأ بيروت، وتفرّغ حمولتها تحت حماية الحزب، إن لزمَ الأمر!
من هنا، كان حثّ على ضرورة تأليف حكومة. الحزب لن ينتظر أحداً ما دام يعتبر أن "مشروع إذلال المواطنين اللبنانيين" وتعميم ثقافة "الطوابير" يستهدفه ويستهدف تطبيق إملاء لتركيع الشعب وأخذه سلعةً لتمرير الفوضى. أبلغ ما لديه إلى المعنيين بتشكيل الحكومة وبشكل مباشر، وقد شكّلت "الطوابير" بالنسبة إلى الحزب "دافعاً إضافياً" للعمل على إنجاز التأليف، أقله خلال المدّة المحددة من قبل رئيس المجلس.
لكن ما يحصل، أن المساعي التي يبذلها الحزب بالتعاون والتنسيق مع الرئيس بري، تُقابل ببرودة ظاهرة من جانب رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، و بإشارات سلبية تُترجم في الشارع، وعلى صعيد الدولار.
في كل مرّة تشتّد فيها المفاوضات الحكومية وتقترب من إنجاز شيء ما، يُعاود دولار السوق الإرتفاع وبشكل هستيري ومن خارج أي معيار إقتصادي أو علمي، ما يجرّ توترات على صعيد الشارع، سرعان ما تنفجر احتقاناً في المناطق ذات الغالبية السُنيّة لألف سبب وسبب، يفرض تأثيراته على المناطق الأخرى. في المقابل، يمضي نواب ومسؤولو تيار "المستقبل" لإشاعة أجواء "غير متوازنة"، للإشارة إلى عدم إكتمال عناصر التأليف وتوزيع الإتهامات بالتدريج، إلى "التيار الوطني الحرّ" وغيره. هؤلاء عملياً، يشكّلون فريق عمل رئيس الحكومة المكلّف، المفترض أن لديه خططاً لكبح الإنهيار والبدء بخطّة التعافي وليس تدمير الجهود المبذولة وكل ما زال واقفاً في البلد!
كان الحريري يدّعي دوماً أن "التخريب" يأتي من جهة رئاسة الجمهورية و"التيار الوطني" ، ما قاد إلى تكفّل "حزب الله" بالأمر. ضرب الحزب على صدره وأعلن جهوزيته لإنجاز عملية تدخل سريع في البياضة، وهذا ما حصل. بعد 4 ساعات من المباحثات الشاقة مع النائب باسيل، والتي وصلت المساء بالفجر، استحصل "الخليلان + الحاج وفيق صفا" على رد فعل إيجابي على "طرح" تقدما به إلى باسيل. ومع أن الطرح لُفّ من قبل المعنيين بحزام عريض من السريّة، تردّد أنه كفل إنجاز إتفاق مبدئي على كيفية توزيع الوزيرين المسيحيين الإضافيين في تشكيلة الـ24 ومرجعيتهما، أي ما يُعادل 91% من عقدة التأليف العالقة، ولم يبقَ إلاّ أن يضع الرئيس المكلف جوابه على "المخرج".
بالمقابل كيف ردّ الحريري على الإيجابيات العائمة؟ مارسَ طوال نهار أمس سياسة المماطلة! "إختفى" الرئيس المكلّف عن المشهد. كان يُفترض أن يقوم النائب السابق علي حسن خليل بصفته معاوناً سياسياً للرئيس برّي ومكلّفاً إجراء الوساطة مع الحريري ونقل الرسائل إليه، بلقاء الأخير في بيت الوسط خلال النهار لعرض ما توصل إليه مع زميله الخليل الثاني و النائب باسيل، لكن الحريري تعمّد المواربة وعدم تحديد موعد واضح مكتفياً بتلقّي التبليغ، وقد انفضّ النهار من دون حصول لقاء يستعجل الحزب والحركة والرئيس بري و"الوطني الحر" ورئيس الجمهورية ميشال عون والنائب باسيل والحزب التقدمي الاشتراكي والجنّ الأزرق وأصغر مواطن حصوله!
في مقابل ذلك، أشارت معلومات أخرى، إلى أن اللقاء حُدّدَ وقت حصوله مساء الأربعاء (أمس) على إعتبار أن الرئيس المكلف يستأنس عقد اجتماعاته في المساء، مكتفيةً بتلك الإشارة ومن دون تقديم أي معلومة إضافية. لكنها شدّدت على أن شيئاً لم يتم الإتفاق عليه، وإن اجتماعاً ثالثاً يفترض أن يعقد بين "الخليلين" و باسيل قبل عطلة نهاية الاسبوع.
وفيما كان الترقّب سيد الموقف والمعاون علي حسن خليل يستعد للتوجّه إلى وادي أبو جميل، بدأت عمليات "التحمية" في الشارع الذي بات يتنفّس من خلال قناة أوكسيجين الدولار الصاروخي. على المقلب الآخر بدأ وسطاء التيّار الازرق إشاعة اجواء غير سليمة ولا تخدم إنجاز اتفاق على تأليف حكومة. كل ذلك رمى إلى إحتمال معاودة الحريري الرهان على الدخان المتطاير من الدواليب المحترقة في الشارع، أملاً في تعديل شيء ما.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News