"ليبانون ديبايت" - زينة منصور
بعد 6 سنوات على اتفاق الـ (5+1) يختلف وضع إيران النووي عما كانت عليه عام 2015, متجاوزةً الخط الأحمر في مسيرتها نحو السلاح النووي. إذ تتوفر لديها اليوم كل الإمكانيات والمعلومات لتطوير القنبلة النووية وتالياً لم تعد مهتمة بأي موقف دولي ولا يوجد أي اتفاق قادر على إيقاف مسيرتها النووية. تكسب الوقت وتناور على المجتمع الدولي الذي بات مدركاً ولو بصمت انها توصلت لإنتاج القنبلة النووية بعد 6 سنوات على اتفاق ال(5+1). وانه يصعب الادعاء كما في العام 2015 أنها لا تمتلكها لان الحقيقة معاكسة. وهي مازالت تقفز الى الأمام في خياراتها في حال فشل الوصول الى اتفاق حول برنامجها النووي بسباق مع الزمن لإعلان انتاج اول قنبلة نووية.
وبالمقابل تدأب واشنطن دراسة خياراتها بعرقلة وتأخير هذه الخطوة من خلال تنسيقها مع إسرائيل، خصوصا انها تعهدت لدول الخليج العربي وللمجتمع الدولي بعدم السماح لإيران بالوصول الى امتلاك السلاح النووي عبر الحد من قدراتها على تخصيب اليورانيوم، في وقت تقف طهران على بعد أشهر من انجازها بحسب آخر تقارير وكالة الطاقة الذرية.
وقد أعلنت مؤخرا انها قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%. وانتجت فعليا كميات من اليورانيوم مخصب بنسبة 63% وما اوصلها لهذه النسبة قادر بسهولة على ايصالها الى انتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 90%. وبحسب خبراء وصلت الى انتاج اليورانيوم المخصب بنسية 90% عبر وحدات تخصيب متطورة حديثة، وهي النسبة المطلوبة لإنتاج قنبلتها النووية. تناور إيران في المفاوضات بمسارها الحالي لكسب الوقت التقني والفني وتعزيز موقفها العلمي النووي بموازاة مناورة الحكومات الغربية وعلى رأسها واشنطن بايدن لكسب الوقت السياسي. وكان الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في حملاته الانتخابية يصف خلفه دونالد ترامب بأنه أخطأ بالانسحاب من الاتفاق النووي في حين يبدو هو حائرا امام مناورة الإيرانيين ورفضهم قبول الشروط الأميركية، والبدء من حيث انتهى ترامب بحكم كونهم لم يتوقفوا منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق عن التخصيب والإنتاج وصولا للقنبلة النووية.
التطورات المنتظرة من اجتماع جنيف السابع بين الإيرانيين والاميركيين لا تدعو الى التفاؤل. إذ يشترط الإيرانيون الرفع الفوري للعقوبات دفعة واحدة قبل ابرام اتفاق جديد او تعديل القديم. وهي إحدى نقاط الخلاف المحورية بين واشنطن وطهران التي عانت من العقوبات الأميركية. الأمر الوحيد الذي رُفعت العقوبات عنه هو الأموال الإيرانية في البنوك الأميركية وانتقال الافراد والشركات. الجولة السابعة من المفاوضات سبقها ست جولات منذ نيسان/ ابريل الماضي لتحديد مصير الاتفاق النووي الإيراني الاميركي.
تندرج المعطيات التي جعلت إيران تبدي استعدادها لاستئناف المفاوضات عبر الاتحاد الأوروبي في خانة المناورة السياسية لكسب الوقت قبل إعلان امتلاكها للقنبلة النووية. وهي تشترط تناول ملفها النووي والعقوبات دون غيرهما من الملفات المتعلقة بالصواريخ البالستية او بالسياسات الإيرانية وأذرعها في المنطقة. وعليه، تستعد واشنطن لاستئناف المفاوضات وفقا لهذين الشرطين الإيرانيين. وتربط دوائر دولية بين تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي والتصعيد في مياه الخليج او على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
يشتد الخلاف بين الاميركيين والإيرانيين على ثلاث نقاط خلافية لم يتمكنا من تجاوزهما ما يجعل التوصل الى اتفاق معلقا تبعا لهذه النقاط الثلاث:
1- وضع ضوابط على القدرات الصاروخية الإيرانية وليس فقط القدرات الصاروخية برؤوس نووية.
2- وضع القيود على الدور السياسي والعسكري لإيران في دول المنطقة.
3- إعادة النظر في مدة الاتفاق بحيث تكون مدته أطول او مفتوح.
تتقدم كل النقاط الخلافية مسألة ان يشمل الاتفاق الصواريخ الإيرانية. وهو طلب قديم تجدد لقناعة كل من المجتمع الدولي وواشنطن ان هذه الصواريخ ستتسبب بعدم استقرار المنطقة. علما بوجود بند في اتفاق 2015 (5+1) يسمح للمفتشين الدوليين التأكد من عدم امتلاك إيران لصواريخ بالستية بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية. ويبقى التحدي بأنه من يؤكد ان إيران لن تطورها مستقبلا ومن هو الضامن لذلك.
لم تتم ترجمة هذه النقطة الخلافية الأساسية لدى المفاوض الأميركي ومن خلفه الاسرائيلي بشكل عملي في اتفاق 2015 ولم تُذكر آليات محددة. والتحدي يكمن في معرفة المسافة التي قطعتها إيران في تطوير الصواريخ البعيدة المدى المجهزة برؤوس نووية والى أي مدى تصل. يسعى المفاوض الأميركي الى تحديد موقف دولي جامع من هذا البند. فالمجتمع الدولي يريد التأكد من أنشطة إيران المتعلقة بالصواريخ، كما في منع وصولها للقنبلة النووية عبر تأخير وصولها اليها وهو الخطأ التي وقع فيه المفاوض في اتفاق 2015.
الموقف الإيراني يعتبر ان الغرب ممثلا بواشنطن من جهة وبإسرائيل والخليج العربي إقليميا لا علاقة له بأسلحتها الصاروخية رافضاً السماح للغرب التدخل في برنامجاها العسكري. وهي تتعهد فقط ان لا تحمل الصواريخ رؤوس نووية ولا تسمح للغرب بالتدخل بشؤونها وفي برنامجها العسكري.
تبلغ الأموال التي أفرج عنها بعد اتفاق 2015 وخلال عامي 2016 – 2017 ما قيمته 105 مليار دولار ما يعتبره المجتمع الغربي رقما كبيرا، في وقت كانت العقوبات تدريجية. علما ان خطة الرفع التدريجي للعقوبات عن النفط وتصدير السلاح لم تتم، إذ تم إيقاف الخطوتين مع وصول ترامب الى البيت الأبيض. وبرغم تشدد ترامب وتضييقه الخناق على برنامج التسلح الايراني، تخطت طهران القيود الأميركية المفروضة عليها وطورت قدرات مكنتها من انجاز ما تريده. فبات لا ينقصها غير القرار السياسي التي يخولها اعلان ملكيتها للسلاح النووي لان البنود المتعلقة بإنتاج وامتلاك سلاح نووي متوفرة في أديباتها السياسية ونظمها.
تعتبر واشنطن والعواصم الأوروبية ان إيران تتدخل بدول الجوار من اليمن والعراق سوريا لبنان، ما أنتج حساسية وهواجس لدول الخليج العربي وغيرها. تركزت المساعي الدولية والأميركية ان يشمل الاتفاق النووي تعهداً إيرانياً بعدم التدخل بالدول المجاورة وعدم مد أي طريق لدول المحور الإيراني وللميليشيات التابعة لها. إلى جانب نقاط أميركية تتعلق بحقوق الانسان وحرية الشعوب والتي لا تعيرها إيران اي أهمية. يقول أوباما: "إن اتفاق 2015 هو أفضل ما توصلنا اليه لأنه يمنع إيران إلى الأبد من إنتاج وامتلاك سلاح نووي". وهذا ما تبين أنه غير دقيق. نقاط الخلاف الثلاث هي مطلب أميركي ترفضه إيران وتعاند بموضوع اولوية رفع العقوبات أولا فوريا وليس تدريجيا.
الوصول الى اتفاق مازال معلقا وما يتم إعلانه في الإعلام حول تطور المفاوضات هو التوصل لاتفاق حول 90% من البنود ولم يبق إلا 10% من النقاط الخلافية، إلا ان هذه النقاط القليلة المتبقية تبلغ من الأهمية عمليا انها تختصر كل الاتفاق بالنسبة للأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين لأنها تتضمن محور الخلاف بين إيران ودول الغرب بما فيها إسرائيل والخليج العربي. تدرس كل من إسرائيل والولايات المتحدة خياراتها في حال فشل الجولة السابعة من المفاوضات. والخلاف بين الجانبين لا يوحي بأي إمكانية للوصول لاتفاق الشهر القادم.
ست جولات من المفاوضات منذ نيسان ابريل دون الوصول الى اتفاق ما يدل على عمق النقاط الخلافية المتمثلة بال10% من النقاط المتبقية في الاتفاق في وقت تؤكد تصريحات الجانبين التوافق على 90% من البنود.
يرفض الجانب الإيراني تقييد قدراته الصاروخية بظل اتاحة هذا الحق للدول المجاورة. لذا يجد المفاوض الأميركي صعوبة في ارغام إيران القبول بوقف نفوذها النووي والعسكري ووضع ضوابط دولية على حركة التسلح الإيرانية. الاتفاق الوحيد ساري المفعول هو معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهو محدود القدرة تم ابرامه منذ 46 سنة عام 1975 ويُسمح بموجبه لعدد محدود من المفتشين بصلاحيات محدودة الكشف على أماكن تصنيع الأسلحة النووية.
إن علمية إضاعة الوقت بين الاميركيين والإيرانيين ما زالت تتصدر المشهد النووي في المنطقة. فكل طرف يكسب الوقت لمصلحته السياسية. تكسب إيران الوقت لمصلحتها الفنية التقنية في التخصيب والتطوير حيث استغلت فترة خروج واشنطن من الاتفاق ومن ثم خروج إيران نفسها منه بعد عام للقيام بتطويرات ضخمة في برنامجها النووي. طورت وحدات التخصيب التي كانت ممنوعة من تطويرها، علما ان اهم بنود اتفاق 2015عام كان توقف إيران عن تطوير وحدات الطرد المركزي المسؤولة عن التخصيب. كانت إيران حينها في بداية مسيرة تطوير انواع من الوحدات تنتج أكثر ب10 أضعاف من الوحدات القديمة، بالتالي هي غير محتاجة ل20 الف وحدة من النوع القديم ويكفيها فقط 2000 وحدة تخصيب من النوع الجديد المتطور.
يتصاعد قلق دول الخليج التي تعتبر أن الاميركيين وقعوا في خطأ استراتيجي عند ابرامهم اتفاق ال5+1 وذلك بوضعهم سقفا زمنيا مدته 10سنوات يحق بعده لإيران العودة الى التخصيب، غافلين عن وضع قيود لما بعد ذلك. الاتفاق تجاوز ال6 سنوات ويصعب التوقع ما إذا كان سيطبق بأثر رجعي. ومن بعده تصبح الأنشطة العسكرية النووية متاحة للإيرانيين، في وقت يزداد نظام الحكم في إيران تشدداً. ولم تنجح التوقعات الغربية بأن الشعب الإيراني سيتغير ويرسى أسلوبا ديموقراطيا في الحكم. لا أحد يعلم إذا كان الاتفاق القديم سيطبق بأثر رجعي ويتبقى على نهايته 4 سنوات أم سيكون الشرق الاوسط امام اتفاق نووي جديد بين إيران والولايات المتحدة.
تعاني إيران من مشاكل اقتصادية كبيرة ناتجة عن العقوبات وبرامج التسلح وتمويل ميليشيات في أكثر من دولة. وتؤثر العقوبات عليها سلبا شأنها شأن دول أخرى كالصين وروسيا. وهي تلتف عليها باللجوء الى السوق السوداء لبيع النفط ومنتوجاتها الاساسية.
هنا يتوجب مراقبة صمود إيران في السنوات القادمة لأنها ستكون في مفاوضاتها مع واشنطن والمجتمع الدولي أمام تنازلات كبرى او تفاهمات كبرى قد تترجم باتفاقات عسكرية او تعهدات عسكرية وسياسية بكف اليد وعدم التدخل في شؤون الدول المجاورة وعدم دعم الميليشيات في الدول العربية مقابل رفع الدعم الفوري للعقوبات.
يتوقف نجاح وفشل بايدن على موقفه من إيران، وهو في مأزق كبير قد يكون سبباً لفشله او لنجاحه في ولايته الرئاسية. وهو من كان يصف خلفه ترامب بأنه أخطأ بالتعاطي مع الملف النووي الإيراني عبر إيقاف الاتفاق. وفي حال تراجع بايدن عن كلامه يصبح ترامب غير مخطئ، وهذا يناقض كل حملات الهجوم التي شنها عليه في حملاته الانتخابية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News