المحلية

placeholder

بولس عيسى

ليبانون ديبايت
الأربعاء 06 تشرين الأول 2021 - 07:00 ليبانون ديبايت
placeholder

بولس عيسى

ليبانون ديبايت

لهذه الأسباب انتقل "حزب الله" إلى الهجوم!

لهذه الأسباب انتقل "حزب الله" إلى الهجوم!

"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى

إن كلّ متابع للمشهد السياسي اللبناني يدرك تماماً أن "حزب الله"، خرج بشكل نافر في الآونة الأخيرة من نسق هذا المشهد ،وانتقل بشكل فجائي وغير منطقي، من التبريد السياسي إلى التسخين، حيث تحوّلت لهجته من توافقيّة إلى لهجة تحدّ ومواجهة سياسيّة، وهذا ابتداءً من تصريحات رئيس المجلس التنفيذي لـ"حزب الله" هاشم صفي الدين إلى مواقف الحزب من الحكومة إلى كل التهديدات التي نسمعها يومياً.

ربّ سائل عمّا إذا كانت قيادة "حزب الله" تعاني من اضطراب ثنائي القطب (Bipolar) سياسياً، فمن الواضح أن الحزب بدّل في الآونة الأخيرة في موقفه السياسي لسبب منطقي ما. فقد عاد إلى التشنّج بالرغم من أن اللحظة السياسيّة الآنيّة لا تستدعي هذا القدر من التشنّج، تشكّلت حكومة جديدة وهناك مرحلة تبريد على المستوى الوطني، حيث تجري مساعٍ حكوميّة ولا تزال في أيامها الأولى لمعالجة الأزمة الماليّة والإنهيار، وهناك محاولة لفتح قنوات تواصل مع صندوق النقد الدولي والدول العربيّة كافة، وهناك محاولة لوضع خطط من شأنها التخفيف من وطأة الأزمة على المواطن اللبناني.

من جهّة ثانية، "حزب الله" كان دافعاً وداعماً وعاملاً مجتهداً من أجل تأليف هذه الحكومة منذ تسمية رئيسها نجيب ميقاتي، الذي حظي بتسمية الحزب وبثقته في مجلس النواب، والمنطق السياسي يحتّم بأن يترك "حزب الله" هذه الحكومة تعمل وسط بيئة سياسيّة مريحة بعيدة كل البعد عن التشنج والإحتقان.

لذا عود إلى بدء، إلى السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة، وهو: لماذا هذا التشنّج الذي يبديه الحزب في لحظة استرخاء على المستوى الوطني بعد تشكيل الحكومة، في حين أنه لم تطفُ بعد إلى سطح المياه الإنقسامات والجبهات داخلها، وبالتالي لماذا هذا التصعيد السياسي؟
الجواب هو، أن هذا التصعيد له علاقة بأن "حزب الله" قد أجرى بذاته استطلاعات للرأي وقد أتته بنتيجة أن وضعه الانتخابي ليس بجيّد أبداً، كما يحاول البعض تصويره، وهذا الأمر ليس فقط على المستوى الوطني لناحية خسارته الأكثريّة النيابيّة وإنما حتى داخل بيئته، التي لم يعد يشعر بحرارة حضنها له في ظل التململ الشيعي الكبير مما آلت إليه الأوضاع على المستوى الوطني إن كان من الناحيّة السياسيّة والإقتصاديّة العامة أو الغلاء المعيشي والأزمات التي لا تكاد تخمد واحدة حتى تستعرّ الأخرى.

لقد لاحظ "حزب الله" ولمس لمس اليد أن حالة التململ هذه لا يمكن التغلّب عليها إلا عبر إعادة شد العصب، استكمالاً لمعركة فك الحصار الوهمية التي ساقها في موضوع النفط الإيراني والتي شاءها، إلى جانب أسبابها المُوجبة عسكرياً، أن تكون أيضاً ذات منفعة سياسيّة وانتخابيّة وخصوصاً لناحية الدعاية حيث يصوّر نفسه أمام بيئته على أنه القادر والفاعل والأقوى والذي يحرص على توفير ما يجب توفيره.

إن قيادة "حزب الله" تدرك تماماً أن حالة التململ داخل البيئة الشيعيّة التي تصل في بعض الأماكن والأحيان إلى الغضب، بدأت معالمها منذ العام 2018 إلاّ أنها تعاملت معها في حينه على أنها زوبعة في فنجان فائض القوّة الذي كانت تشعر به. ولكنها أخطأت التقدير بفعل أن هذه الحالة استمرّت وتطوّرت مع ثورة 17 تشرين والأزمات المتلاحقة، واليوم وصلت إلى مكان تعجز فيه شرائح واسعة من البيئة الحاضنة لـلحزب عن تحمّله، ووصلت في مكان آخر إلى تحميل قيادته بشخص أمينه العام مباشرةً وبشكل شبه علني، مسؤوليّة ما آلت إليه أوضاعها بحكم سياسته، وانغماسه في مستنقعات الحروب في المنطقة وعزلة لبنان، كما تنتقد بشدّة سياساته على المستوى الداخلي لناحية حلفه مع "التيار الوطني الحر" وإصراره لمدّة سنتين على أن يكون العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة وقطعه الطريق أمام أي خيار وسطي بديل. وبالتالي كل خيارات الحزب إن كان على الصعيد الداخلي أو الخارجي هي موضع انتقاد لاذع، وهناك مراجعة كبرى تجريها هذه الشرائح الواسعة من بيئة "حزب الله" الحاضنة.

لذلك، يعتبر "حزب الله" أنه لا يمكن أن يعيد رصّ صفوف هذه البيئة ووأد حالة التململ هذه بالاستناد إلى جعبته العسكريّة، وإلى ما اعتاد عليه من ترهيب وتهديد ووعيد من أجل إسكات الأصوات المعارضة، لسببين: الأول، هو إدراك قيادة الحزب، هشاشة الأوضاع داخل البيئة الحاضنة ومعرفتها لحجم الكتلة الشعبيّة المُمتعضة والمتململة المهول. والثاني هو معرفتها يقيناً بأن هذه البيئة نشأت في الأساس على مبادئ الإمام المغيّب موسى الصدر، الذي قال يوماً: "لو خيّرتمونا بين الجوع والخضوع، نستأصل أمعاءنا بأيدينا ولا نركع". بناءً عليه، يعتبر "حزب الله" أنه لا يمكنه مواجهة هذه الحالة إلاّ من خلال إعادة التسخين السياسي للإيحاء إلى بيئته وإقناعها بأنه يواجه حرباً من طبيعة وجوديّة وإيهام هذه البيئة بأنها يجب أن تتحلّى بـ"الوعي الكامل" باعتبار أن أي خيار من الممكن أن تأخذه، من الممكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى خضوع البلاد للسيطرة "الأمريكية" أو حتى الصهيونية أيضاً.

وهنا، يحاول "حزب الله" أن يضع بيئته أمام خيارٍ واحد لا ثاني له، عبر إشاعته أجواء "أننا في مرحلة حاسمة وحساسة ولا تسمح بخيارات وسطيّة لأنها ستؤدي لأن يُحكم لبنان من قبل الأميركيين"، هذا ما قاله جهاراً صفي الدين، في محاولة منه لإخافة البيئة الشيعيّة من أن سقوط الأكثريّة الحاكمة الفاسدة اليوم سيؤدي في نهاية المطاف إلى زوال هذه البيئة وضربها في عمق وجودها.

في المحصّلة، حقيقة واحدة "حزب الله" لا يعاني أبداً من اضطراب ثنائي القطب (Bipolar) سياسياً وإنما "محشور".

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة