"ليبانون ديبايت" - بولس عيسى
يمكن أن نستشف من خلال المواقف التي صدرت بالأمس، وتحديداً عن المكتب السياسي لـ"حركة أمل" نهاراً وحديث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ليلاً، أن "حركة أمل"، وبشكل واضح تقصّدت عدم تسمية حزب "القوّات اللبنانيّة"، وذهبت باتجاه تسمية مجموعات. وهذا الأمر بحدّ ذاته رسالة ومؤشّر بأن لا معلومات مؤكدة وموثوقة لدى قيادة "أمل" في هذا السياق بأن "القوّات" تقف وراء ما حدث. فعملياً كل الوقائع على الأرض أثبتت أن أهالي المنطقة هم من هبّوا للردّ والدفاع عن أملاكهم وأرزاقهم وأرضهم وأعراضهم، ولا دور لحزب "القوّات اللبنانيّة" في المسألة بشكل تنظيمي.
الواضح أن الرئيس نبيه بري تقصّد ومن خلال المكتب السياسي لحركة "أمل" الذي دأب على إصدار مواقف بشكل دوري، القول إن الحركة لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع "القوّات اللبنانيّة" على غرار ما يفعله "حزب الله"، وبالتالي، هذا تمايز يجدر التوقّف عنده مطوّلاً.
وإذا ما أردنا قراءة هذا التمايز، نجد أن الخلفيّة الأساسيّة له، هي أن الحركة في مواجهة مع الرئيس ميشال عون وتياره "التيار الوطني الحر"، ولا تريد أن تفتح مواجهة في نفس الوقت مع حزب "القوّات اللبنانيّة"، الأمر الذي سيضع جميع المسيحيين في مواجهتها. لذا، شهدنا وسنشهد أكثر فأكثر عمليّة تحييد الحركة نفسها رويداً رويداً عن المسار الإفترائي الذي يسلكه "حزب الله" في القضيّة، ولكن بطبيعة الحال مع التركيز على التحقيق بجديّة.
بالنسبة لنصرالله، فقد ذهب باتجاه شيطنة "القوّات اللبنانيّة"، وهنا النقطة الأساس. لماذا؟ لأنه يعتبر "القوّات" وانطلاقاً من دورها، نجحت بتعبئة الرأي العام لبنانياً، وليس فقط مسيحياً على ما يدعي نصرالله، وهذه التعبئة مفادها أن "حزب الله" وأدواره وارتهانه للمحاور الإقليميّة وتنفيذه أجندة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران ساهم في إيصال لبنان إلى ما وصل إليه، لذلك، رأينا أن نصرالله حصر كل تركيزه على شيطنة "القوّات" والتركيز بشكل كبير في الحديث عن وجود جانب ميليشياوي لدى القوات اعتقاداً منه أنه يمكن له أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء في الشارع المسيحي، وأن هذه الشيطنة ستفيد حليفه النائب جبران باسيل في الإنتخابات المقبلة. ليأتي كلام نصرالله متماهياً تماماً مع كلام رئيس "التيار" في ذكرى 13 تشرين، حيث أعاد تكرار "نفس السالفة" عن الماضي وإعادة تكرار جملة الأضاليل التي نجحت في يوم ما بتقليب الرأي العام المسيحي على "القوّات" إلا أنه فاتهما أننا اليوم في العام 2021، وهذه البضاعة فسدت ولم تعد قابلة لا للتسويق أو الإستهلاك المحلي، فألاعيب الخفّة والكذب والإفتراء هذه انقضى عليها التاريخ.
نصرالله في خطابه بالأمس أراد بشكل واضح تقديم خدمة لحليفه الإستراتيجي "التيار الوطني الحر"، إلا أنه فاته أيضاً أنه "بدل ما يكحّلها عماها". لماذا دأب نصرالله على محاولة تقديم هذه الخدمة؟ لسبب بسيط وهو أن "التيار" يشكّل غطاءً كبيراً لمشروعه في نشر الثورة الإسلاميّة في لبنان، وأمام التراجع الشعبي الكبير الذي شهدته الحالة العونيّة مؤخراً، فقد بات يخشى الحزب خسارة الأكثريّة التي ما كان ليحلم بها لولا اتفاق "مار مخايل" المشؤوم الذي وقّعه مع عون، والتي خدمت مشروعه طيلة الفترة السابقة ما خدمته، وبالتالي، أصبحت مسألة تحوّل نصرالله من أمين عام "حزب الله" إلى مروّج سياسيّ يعمل على التسويق السياسي بشكل مباشر لجبران باسيل، ليس أبداً تقزيماً لدوره، وإنما هو في صلب مصلحة المشروع الكبير لـ"حزب الله" وهو نشر الثورة الإسلاميّة في لبنان تبعاً لمبدأ الجهاد ليس فقط في السلاح وإنما في المال، والبارحة كان الجهاد في التسويق السياسي.
إلا أن المضحك في كلام نصرالله هو اتهام "القوّات" بأنها ميليشيا، وكأنه أمين عام حزب "الخضر" ونهجه الديمقراطيّة ويؤمن بالحريّة وأولويّته بناء الدولة القادرة والفاعلة والقويّة. وقد فات نصرالله ان هذا الكلام لا يمكنه أن يعبر نطاق الضاحيّة الجنوبيّة ليصل حتى إلى الجنوب أو البقاع لناحيّة الإقناع، باعتبار أن الاقتناع في هذه المنطقة هو بالإكراه. وهنا، في هذه الصورة السياسيّة الساخرة سقط نصرالله السقطة الكبيرة في خطابه عبر التناقض الكبير الذي وقع فيه عبر محاولته التماهي مع باسيل في شيطنة "القوّات" من الناحية نفسها التي هو مشيطن منها من قبل أكثريّة اللبنانيين، وقد ظهر هذا الأمر بشكل جلي لدى مختلف البيئات اللبنانيّة انطلاقاً من خلدة مروراً في شويّا وصولاً إلى عين الرمانة.
أما نقطة الضعف الأكبر التي أظهرها نصرالله في حديثه، فهي أنه جاهر بعديد مقاتلي "حزب الله" في محاولة منه إخافة وتهديد الشريك في الوطن بمكيافيليّة أن هذا التهديد هدفه هو منع نشوب أي حرب أهليّة. في حين أن "القوّات اللبنانيّة" ليست تنظيماً عسكرياً ولا تدخل أصلاً في مواجهته على هذا الصعيد، وإنما هي حزب سياسي تقاوم هيمنته على الدولة اللبنانيّة في السياسة، والعكس صحيح في أن الحزب هو من يجد حلول أزماته السياسيّة في جعبته العسكريّة عبر، إن لم نقل الإغتيالات، فالقمصان السود و7 أيار وغزوات عين الرمانة المتكرّرة.
وبالتالي، سقط نصرالله في شرّ بليّته، فكل هذه السرديّة التي قدّمها نصرالله لا علاقة لها بالواقع، كما أن هذا الخطاب الذي ركّز فيه على "القوّات" وبهذا الحجم والوقت والكثافة، ستؤدي حكماً إلى رفع نسبة تمثيل "القوّات" شعبياً لأنه وصل إلى مكان حيث أن أي طرف سياسي يقوم بمواجهته أو يتهجّم عليه يزيد من شعبيّة الطرف الآخر، لأن "حزب الله"، شئنا أم أبينا، تخطى مرحلة امتعاض أكثريّة الشعب اللبناني منه إلى مستوى كره وسخط وغضب هذه الأكثريّة منه التي أصبح مكشوفاً أمامها.
ختاماً، وهنا بيت القصيد، لم يخدعنّ السيد نصرالله أحداً في أن إطلالته التي لم تتضمّن تهديدات مباشرة وعلو نبرة وما إلى هنالك من عادات السيّد، لأنها لم تخلو من شق أمني خطير وخطير جداً، باعتبار أن شيطنته لـ"القوّات" لها وجه آخر خفي، غير مسألة التسويق السياسي لباسيل والتماهي معه، وهو أنها في نهاية المطاف تعني على المستوى الأمني تحليل دم جميع مسؤولي "القوّات" وأنصارها ومحبّيها. وقد قالها نصرالله ما بين السطور أنه يجب استهداف "القوّات" بشتى الوسائل والطرق.
اخترنا لكم


