سليم البيطار غانم - الحدث
يقترب يوما بعد يوم موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية والكلّ يترقب الجهة السياسية التي ستحظى بهذا الموقع، فهل سنتمكن من انتخاب رئيس ام سيُفرض من جديد مفوض سامٍ بلقب "رئيس"؟
إذا أردنا معرفة الرئيس العتيد لا بدّ من مراجعة تاريخية للأحداث المحلية والاقليمية المواكبة لهذا الاستحقاق والتي كانت تفرض نفسها على عملية الانتخاب. لم تكن لهذه الأحداث فعالية لولا وجود لاعبين إقليميين لبنانيين يُدخلون لبنان في صراعات ونزاعات كان من الممكن تفاديها لو ان انتماء هؤلاء للبنان وليس للمحور الطائفي الذي ينتمون اليه.
لم يكن انتخاب بشارة الخوري الرئيس الأول للجمهورية اللبنانية بعد الإستقلال لولا توافقه مع رياض الصلح واللذان عملا كل من موقعه على طمأنة المسيحيين بعدم استقواء المسلمين بالمحاور العربية، كذلك الأمر بالنسبة للمسلمين بعدم استغلال النفوذ المسيحي الغربي للإستقواء عليهم فكانت المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يتوافق فيها المسيحيون والمسلمون، فطالبوا مجتمعين بنيل الاستقلال وانهاء الانتداب كما كانت المرة الأولى والأخيرة التي يتم فيها انتخاب رئيس معارض للقوة المنتدبة او المحتلة على الأراضي اللبنانية.
تمّ التجديد لبنانياً لبشارة الخوري بهدف استكمال المشاريع الإنمائية التي بدأت في عهده إلا ان أجواء الفساد التي سادت حينها في العهد الثاني أدّت الى توافق مسيحي اسلامي داخلي أطاح بالعهد، وتمّ انتخاب كميل شمعون لبنانياً ليكون الرئيس الثاني بعد الاستقلال، ولكن الوعد الذي قطعه المسلمون على المسيحيين بعدم جرّ لبنان الى الصراعات العربية او الاستقواء على المسيحيين لم يَدم طويلاً ، فما ان أطل برأسه عبد الناصر عام 1956 مطالباً بالوحدة مع سوريا ولبنان، حتى هاج المسلمون ضاربين عرض الحائط الوعود الاستقلالية محركين الشارع وراء مشروع عبد الناصر، ما أجبر شمعون على الانخراط في حلف بغداد لينتهي عهده بثورة 1958.
الحرب الباردة بين الروس والدول الغربية واميركا والصراعات الإقليمية المستجدة من النكبة الفلسطينية (1948) وتأميم قناة السويس (1956) والأطماع التوسعية لعبد الناصر وإنزال المارينز للجم المدّ الناصري الى لبنان وعدم رغبة الأقطاب الدولية حينها بتكبد مشاكل اضافية، دفع جميع اللاعبين الإقليميين الى التوافق على شخصية مارونية تنال رضا المسلمين، فوجد البريطانيون والأميركيون في قائد الجيش حينها فؤاد شهاب شخصية يمكنها لعب دوراً وسطياً بين الأطراف، ليصبح بذلك الرئيس الأول الذي يُنتخب كحلّ نزاع وبتوافق دولي واضح. استقر الوضع الداخلي مع استمرار الوضع الإقليمي على حاله، ومع تجديد ولاية عبد الناصر في عام 1964 أعيد التجديد لـ "النهج " بإنتخاب شارل الحلو رئيساً للجمهورية.
مع انتهاء عهد شارل الحلو (1970) وما رافقه من أزمات داخلية من "بنك انترا" الى توسع العمل الفدائي وصولاً الى اتفاق القاهرة، الذي ترافق اقليمياً مع هزيمة 1967 وخفوت وهج عبد الناصر حتى وفاته عام 1970 كل تلك العوامل أرخت بظلالها على الساحة اللبنانية وعلى الساسة اللبنانيين اللذين استطاعوا بإرادتهم انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية منهين حقبة عبد الناصر والشهابية، مفككين "المكتب الثاني" الذراع الأمني للشهابية السياسية.
بدأت الحرب اللبنانية قبل نهاية العهد، فانقسمت المناطق بين مسيحية مدافعة عن الكيان اللبناني ومناطق اسلامية الى جانب المقاتلين الفلسطنيين، وبدت الاحتمالات المأساوية مفتوحة على كل الطروحات من تغيير النظام، الى التقسيم، الى تحويل لبنان وطن بديل للفلسطينيين وتفادياً لأي فراغ رئاسي يزيد من كارثية الوضع وعلى وقع الحرب الفلسطينية والاسلامية من جهة والقوات المسيحية من جهة أخرى تم التوافق بين اعضاء المجلس النيابي على انتخاب شخصية مارونية تحظى بتوافق اسلامي فلسطيني مسيحي، فأنتخب حاكم المصرف المركزي الياس سركيس رئيساً للجمهورية نظراً لشخصيته التوافقية التي تحظى باحترام الشارع المسيحي والمسلم في آن، وليس كونه شخصية تنتمي للحقبة الشهابية.
استمرت الحرب طوال عهده بكل فظائعها ودخلت قوات الردع العربية التي خرجت لاحقا لتبقى القوات السورية "كمحتل" الى ان دخلت اسرائيل لبنان (1982) طاردة القوات السورية ومبعدة المقاتلين الفلسطينيين الى تونس منهية بذلك حقبة الخطر الفلسطيني على اللبنانيين بشكل عام وعلى المسيحيين بشكل خاص.
على وقع الاحتلال الاسرائيلي وتغير الوضع لصالح المسيحيين في الداخل انتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية ليتبين لاحقا ان الشارع المسلم الذي كان قد ضاق ذرعا من هيمنة الوجود الفلسطيني والسوري تقبل انتخاب بشير اَملين منه انهاء الحرب واعادة هيبة الدولة على كامل أراضيها، طبعا استفز الوضع القيادة السورية لتنجح سريعا في إغتياله ليعاد وينتخب شقيقه أمين الجميل رئيساً للجمهورية.
يتبع...
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News