أصدر بنك عوده تقريره الاقتصادي للفصل الأول من العام 2025 تحت عنوان "تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد"، مسلطًا الضوء على التغيرات السياسية والاقتصادية التي شهدها لبنان منذ مطلع العام، والتي تحمل في طياتها بوادر أمل مشروطة بمدى استجابة الدولة للإصلاحات المطلوبة.
وأكد التقرير أنّ الأشهر الأولى من العام شهدت تطورات سياسية بارزة، بدءًا من الانتخابات الرئاسية وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، وصولًا إلى ولادة حكومة جديدة ضمت شخصيات ذات كفاءة عالية. وترافقت هذه الانفراجة مع زيارات لعدد من المسؤولين الدوليين رفيعي المستوى إلى بيروت، ما أعاد طرح لبنان على أجندة الاهتمام الدولي، وفتح الباب أمام إمكانية حصوله على مساعدات مالية دولية شرط استثمار الفرصة السياسية القائمة.
ساهم هذا المناخ السياسي المستجد في إحداث تحوّل في الأسواق المالية. فقد شهدت سوق تداول العملات الأجنبية تحويلات باتجاه الليرة اللبنانية، ما أسفر عن زيادة احتياطيات مصرف لبنان من العملات الأجنبية بحوالى 936 مليون دولار منذ بداية 2025، مغطيةً بذلك خسائر سابقة تكبّدها المصرف خلال فترة الحرب الشاملة.
كما سجلت سندات اليوروبوندز اللبنانية قفزة غير مسبوقة بنسبة 167% خلال ستة أشهر، لترتفع من 6 سنت في أيلول الماضي، إلى 9 سنت عند وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني، وصولاً إلى نحو 16 سنت في نيسان الحالي، وسط تفاؤل بإمكانية إبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وتطبيق إصلاحات طال انتظارها.
أما في سوق الأسهم، فقد ارتفعت الأسعار منذ إعلان وقف إطلاق النار، غير أن حجم التداول بقي محدودًا بمتوسط يومي لا يتجاوز 1.8 مليون دولار، في سوق تعاني من ضعف السيولة والفعالية.
وأشار التقرير إلى أن تغير النظام السياسي في سوريا يوفر فرصة ليس فقط لدمشق بل للبنان والمنطقة ككل، حيث أن استقرار سوريا يعزز التبادل التجاري ويخفف الضغط الناتج عن أعداد اللاجئين. وعلى النقيض، فإن استمرار حالة عدم الاستقرار من شأنه أن يزيد من خطر التجارة غير المشروعة والتهديدات الأمنية. كما أن إعادة فتح المعابر وخطوط النقل ستنعكس فورًا على التجارة والناتج المحلي اللبناني.
رسم التقرير سيناريوهين اقتصاديين للبنان:
السيناريو الإيجابي: يفترض استمرار وقف إطلاق النار، وانطلاق مشاريع إعادة الإعمار، والتوصل إلى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي. عندها، يتوقّع أن يسجّل الاقتصاد نموًا حقيقيًا بنسبة 8%، وتراجعًا في معدلات التضخم، وعودة ميزان المدفوعات إلى تسجيل فائض يُقدّر بـ4 مليار دولار.
السيناريو المتحفظ: يتوقع استمرار وقف إطلاق النار، لكن مع استمرار التجاذبات الداخلية، ما يعوق الإصلاحات. في هذه الحالة، لن يتجاوز معدل النمو 2%، وستبقى الاحتياطات النقدية ثابتة، والميزان التجاري في حالة شبه توازن.
شدد التقرير على أن استعادة الثقة تمثّل تحديًا رئيسيًا، داعيًا إلى ترسيخ وقف إطلاق النار، سدّ الشغور المؤسساتي، وإطلاق عملية إعادة هيكلة المصارف. كما أشار إلى ضرورة إقرار قانوني إعادة الهيكلة ومعالجة الفجوة المالية خلال العام 2025، قبيل الانتخابات النيابية في أيار 2026.
وركّز على خمس تحديات ذات أولوية في المرحلة المقبلة: تحفيز النمو وخلق فرص العمل، خفض العجز الخارجي وسط اختلالات مزمنة، تعزيز الاحتياطيات بالعملات الصعبة، تصحيح المالية العامة وتحسين كفاءة الإنفاق، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي بما يشمل سد الفجوة المالية.
وعلى صعيد القطاع الحقيقي، أوضح التقرير أن تحفيز النمو يستدعي بيئة سياسية مؤاتية، وإصلاحات هيكلية تعزز الطلب المحلي وتزيد من تنافسية الاقتصاد. فالاقتصاد اللبناني فقد 38% من ناتجه الحقيقي منذ 2019، وباتت الحاجة ملحة لرفع معدل الاستثمار الخاص إلى أكثر من 10% من الناتج المحلي، لتلبية الطلب على أكثر من 30 ألف فرصة عمل سنويًا.
كما أن معدل البطالة تجاوز 30%، ما يجعل خلق فرص العمل أحد التحديات الكبرى، ويتطلب ذلك تحسين بيئة الأعمال، وخفض التكاليف التشغيلية، وتوفير مناخ من الاستقرار السياسي والأمني.
وحذّر التقرير من الاعتماد المزمن على العجز التجاري والتدفقات المالية المؤقتة، معتبرًا أن تحفيز الإنتاج المحلي، والحد من الاستيراد، وتعزيز الصادرات هي أولويات يجب تبنيها ضمن سياسة اقتصادية جديدة ومستدامة.