تواجه الحملة العسكرية الأميركية ضد جماعة الحوثي في اليمن تحديات متصاعدة، سواء على مستوى الخسائر الميدانية أو الكلفة اللوجستية، في ظل استمرار العمليات منذ منتصف آذار 2025، التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد عشرات الأهداف في اليمن، والتي وصفت حينها بأنها الأوسع منذ سنوات.
وكان آخر تلك الخسائر ما أعلنت عنه البحرية الأميركية، الإثنين 29 نيسان 2025، عن إصابة أحد البحارة إثر سقوط مقاتلة أميركية من طراز "إف 18" من على متن حاملة الطائرات "ترومان" أثناء عمليات عسكرية في البحر الأحمر.
وتقول واشنطن إن غاراتها العسكرية ستستمر حتى توقف جماعة الحوثي هجماتها على السفن المرتبطة بـ"إسرائيل"، والتي بدأت منذ تشرين الثاني 2023، بالتزامن مع الحرب التي شنّها الجيش الإسرائيلي على غزة في 7 تشرين الأول من العام نفسه. وتقول الجماعة إنها تستهدف تلك السفن "نصرةً للفلسطينيين في القطاع المحاصر".
كشفت تقارير أميركية عن كلفة باهظة تتكبدها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في هذه الحملة، وسط تشكيك في جدواها، إذ لم تنجح في إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين بشكل فعلي، وفق مصادر مطّلعة.
ووفق تقرير لشبكة "سي إن إن"، فإن تكلفة الحملة الأميركية في اليمن بلغت حتى الآن نحو 3 مليارات دولار، تشمل مئات الملايين من الدولارات على الذخائر، من بينها صواريخ كروز بعيدة المدى من طراز JASSM، وقنابل JSOW الموجّهة عبر GPS، وصواريخ توماهوك، بالإضافة إلى النفقات التشغيلية لنشر حاملتي طائرات، وقاذفات "بي-2" انطلقت من قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وأنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" و"ثاد".
وقال مسؤولون إن قيمة الذخائر المُستخدمة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من العملية تخطت 200 مليون دولار، ويُرجّح أن يطلب البنتاغون تمويلاً إضافياً من الكونغرس، وسط شكوك بشأن حصوله على هذا التمويل.
في السياق ذاته، أعلنت البحرية الأميركية أن مقاتلة "إف 18" سقطت في البحر أثناء سحبها من على متن حاملة الطائرات "ترومان"، بعد أن فقد الطاقم السيطرة عليها خلال مناورة تفادية لنيران جماعة الحوثي. وأُصيب أحد البحارة خلال الحادث، فيما أعلنت البحرية فتح تحقيق في الملابسات.
وبحسب "سي إن إن"، فإن تكلفة الطائرة تتجاوز 60 مليون دولار. ويُظهر بيان البحرية أن "ترومان" قامت بانعطاف حاد لتفادي الهجوم، مما أدى إلى سقوط الطائرة.
وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، في بيان متلفز، عن استهداف الحاملة الأميركية "ترومان" في البحر الأحمر، واصفًا الهجوم بأنه "رد على مجازر العدو الأميركي بحق المدنيين اليمنيين".
وصرّحت وكالة "سبأ" التابعة لحكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليًا، نقلاً عن مصدر في وزارة الدفاع، أن الحاملة "ترومان" قد تكون أصيبت إصابة مباشرة، وأن القطع المرافقة لها شوهدت تقترب من قناة السويس تمهيدًا لمغادرة البحر الأحمر.
وقال المصدر إن "الهجوم استمر لساعات، وشمل استخدام صواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيّرة"، معتبرًا أن الهجمات أجبرت المجموعة البحرية الأميركية على التراجع.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الحوثيين أسقطوا نحو 17 طائرة أميركية من طراز "إم كيو-9 ريبر" منذ بدء الحملة، وهي من أكثر المسيّرات تطورًا وتُستخدم في مهام المراقبة والضربات الدقيقة.
ووفق بيانات دائرة أبحاث الكونغرس الأميركي، فإن تكلفة الواحدة من هذه الطائرات تصل إلى نحو 30 مليون دولار، ما يعني أن مجموع الخسائر في هذا الجانب يتجاوز 530 مليون دولار.
وكان مسؤول دفاعي أميركي قد صرّح لشبكة "فوكس نيوز" أن الولايات المتحدة تمتلك نحو 230 طائرة من هذا الطراز، ما يعني أن خسارة 17 منها خلال فترة قصيرة تُعدّ ضربةً مؤلمة في سياق عمليات سلاح الجو الأميركي.
تأتي هذه التطورات بينما تواجه الولايات المتحدة أزمة متنامية في القدرة على مواكبة متطلبات الإمداد العسكري، نتيجة التزاماتها المستمرة تجاه أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، فضلاً عن دعمها لـ"إسرائيل" في حرب غزة، والتصعيد مع إيران، والمواجهة المستمرة مع الحوثيين في البحر الأحمر.
ويقول خبراء إن هذه التشعبات تُرهق الترسانة الأميركية وتؤثر على جاهزية الجيش، لا سيما في ظل حاجة القطاعات المختلفة إلى صيانة واستبدال الذخائر والمعدّات، ووسط تزايد الضغوط السياسية على إدارة ترامب بسبب الكلفة العالية والنتائج المحدودة للعملية في اليمن.