في خطوة وُصفت بأنها أولى على طريق إغلاق ملف الحرب الروسية الأوكرانية، أعلن عن اتفاق أميركي-أوكراني لإنشاء "صندوق استثماري لإعادة الإعمار"، ما يشير إلى دخول الولايات المتحدة في مرحلة جديدة من الشراكة الاقتصادية مع كييف، تتجاوز الدعم العسكري والمالي إلى مرحلة بناء ما دمّرته الحرب.
ووفق مصادر دبلوماسية، فإن هذه الخطوة تعبّر عن تحوّل استراتيجي في مقاربة الإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب تجاه الأزمة الأوكرانية، في ظل تزايد القناعة بأن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، وأن مواصلة تمويلها بلا أفق سياسي غير وارد ضمن الحسابات "الواقعية" للإدارة الجديدة.
رغم التطورات، لا تزال الطريق إلى وقف دائم لإطلاق النار مليئة بالتعقيدات. فقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أيام أن بلاده تضع سلسلة شروط لأي تسوية، أبرزها ضمان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إلى جانب الاعتراف الروسي بسيادتها على شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول ومنطقة خيرسون وسواها من المناطق التي ضمّتها موسكو خلال الأعوام الماضية.
كما تطالب روسيا بالتراجع عن ما وصفه لافروف بـ"إلغاء الإرث الروسي في أوكرانيا"، في إشارة إلى السياسات الأوكرانية المتعلّقة بالهوية الثقافية واللغوية والسيادة الرمزية.
مسؤول أميركي تحدّث إلى قناتي "العربية" و"الحدث"، كشف أن البيت الأبيض يتبنّى نهجًا "واقعيًا"، وأكد أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تمويل حرب طويلة الأمد، بل تعتبر أن الحل الأفضل هو وقف فوري لإطلاق النار وبدء مسار سياسي يفضي إلى تسوية مستقرة.
وأشار المسؤول إلى أن هذا الموقف ليس جديدًا، بل يعود إلى ما قبل عهد ترامب. فإبان إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وبعد ضم روسيا للقرم عام 2014، اكتفت واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية، وامتنعت عن أي تدخل عسكري مباشر، وهو ما اعتُبر حينها تكريسًا لنظرية "الخيارات الواقعية".
وفق تقييمات عسكرية أميركية، فإن الحرب في أوكرانيا دخلت مرحلة "الاستنزاف الطويل"، حيث تحوّلت الجبهات إلى خنادق محصنة لا تتيح لأي من الطرفين تحقيق مكاسب ميدانية كبرى، ويصف ضباط أميركيون الوضع بأنه "معركة مكلفة عديمة الجدوى".
المعلومات تشير إلى أن نحو ألفي جندي يُقتلون أسبوعيًا على خطوط التماس، دون أي تغيّر يُذكر في الخريطة العسكرية. ويؤكّد مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن أي محاولة لاختراق الجبهات ستكون مكلفة بشريًا بشكل هائل، إذ تُقدّر الخسائر المتوقعة للمهاجم بأربعة إلى خمسة أضعاف الطرف المدافع، ما يجعل أي هجوم شامل غير مرجّح في المدى المنظور.
إلى جانب الخسائر البشرية، ثمّة مخاوف جدّية داخل الإدارة الأميركية من ما يُعرف بـ"دورات بوتين العنيفة"، وهي دورة زمنية تتكرّر كل سبع إلى ثماني سنوات، وفق مسؤولين في البنتاغون، إذ شنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربًا في جورجيا عام 2008، ثم ضم القرم عام 2014، وأطلق غزوه الواسع لأوكرانيا عام 2022.
وترى واشنطن أن وقف إطلاق النار دون اتفاق شامل ونهائي قد يفتح الباب أمام جولة جديدة من التصعيد في المستقبل، مع استعادة موسكو قدراتها العسكرية وتجديد مخزونها من الأسلحة.
في ظل هذا الواقع، تبدو واشنطن أمام خيارات شديدة الحساسية: فإما السعي لتسوية حقيقية تتضمّن تنازلات مؤلمة مثل الاعتراف بسيطرة روسيا على مناطق احتلّتها بالقوة، وإما المضي في حرب لا نهاية لها، قد تنتهي بمواجهة مباشرة بين القوتين النوويتين.
وتخشى الإدارة الأميركية أن استمرار الحرب بشكلها الحالي سيقود حتمًا إلى تآكل الدعم الشعبي والدولي، وبالتالي تجد نفسها مضطرة إلى بناء أرضية سياسية للسلام، تبدأ بإعادة إعمار أوكرانيا، ولكن تنتهي بتسوية تضمن استقرارًا طويل الأمد.