صدر عن الفاتيكان قرار غير مسبوق قضى بالتخلّي عن تقليد عريق عمره قرون، يتمثل في خياطة ثلاثة أردية بابوية بيضاء جديدة فور وفاة البابا، وذلك قبل انعقاد المجمع المغلق لاختيار خليفة له.
وذكرت صحيفة "تلغراف" البريطانية في تقرير مفصل، أنّ متجر "غاماريلي" الشهير في روما، الذي تأسّس عام 1798، واحتكر على مدى قرون خياطة ملابس البابوات والكاردينالات، تلقّى توجيهات مباشرة من الكرسي الرسولي هذا العام بعدم إعداد أردية جديدة، خلافاً للعادة المتّبعة منذ عقود. وتُعد هذه السابقة الأولى منذ أكثر من 50 عامًا.
لطالما شكّل رداء البابا الأبيض رمزًا للسلطة الروحية والرمزية للكنيسة الكاثوليكية، التي يبلغ عدد أتباعها نحو 1.4 مليار شخص حول العالم. وبموجب التقليد، كان الخياطون يباشرون فور وفاة البابا بخياطة ثلاثة أردية بأحجام صغيرة ومتوسطة وكبيرة، تُعرض لاحقًا في واجهة المتجر استعدادًا للبابا الجديد، الذي يُنتخب لاحقًا من قِبل مجمع الكرادلة في كنيسة السيستين داخل الفاتيكان.
وكان الظهور الأول للبابا المنتخب بالرداء الأبيض من شرفة كاتدرائية القديس بطرس يُعد لحظة رمزية بالغة الأهمية، تنقل إلى العالم صورة التجديد والاستمرارية في الكنيسة.
غياب هذا التقليد هذه السنة، بعد وفاة البابا فرنسيس، أثار مشاعر الحزن بين عائلة غاماريلي التي تدير المتجر، لا سيما أنهم لطالما اعتبروا هذا التقليد "جزءاً من تاريخ روما"، وفق ما عبّر عنه ماسيميليانو غاماريلي، أحد الأحفاد الأربعة المؤتمنين على المتجر. وقال في تصريح للصحيفة: "نشعر ببعض الأسى. كان مشهد الأردية في الواجهة يرمز إلى لحظة تاريخية مهيبة، لكنها هذه المرة غائبة".
ولم يصدر أي تفسير رسمي من الفاتيكان لهذا القرار، لكن خيّاطي "غاماريلي" يرجّحون أن الخطوة تتماشى مع قناعات البابا الراحل فرنسيس، الذي عُرف بتواضعه ورفضه للهدر وميله إلى التقشف. فقد اختار فرنسيس، منذ انتخابه في آذار 2013، الابتعاد عن البذخ في ملبسه، وكان أول بابا يرفض الإقامة في القصر الرسولي، مفضلاً مسكنًا بسيطًا في دار الضيافة.
وبدلًا من خياطة أردية جديدة، قرّر الفاتيكان استخدام أردية قديمة متبقية من مجامع انتخابية سابقة، على أن تُنظّف وتُجهّز لتلائم البابا المنتخب.
المتحدث باسم الفاتيكان، ماتيو بروني، اكتفى بالقول ردًا على استفسارات الصحافيين: "لا أعتقد أنه من الضروري التحدث نيابة عن الشركات. ليس كل فضول بحاجة إلى إجابة"، ما يعكس توجّهًا لتقليص الطابع الاحتفالي والمظهري المحيط بعملية انتخاب البابا، والتركيز على بعدها الروحي.
كان البابا فرنسيس قد أحدث تحوّلًا عميقًا في الصورة النمطية للبابا. فهو البابا الأول الذي أتى من أميركا اللاتينية، وركّز في عظاته ومواقفه على قضايا العدالة الاجتماعية، والبيئة، وحقوق الفقراء، واللاجئين، والحوكمة داخل الكنيسة. وقد واجه انتقادات من بعض الدوائر الكنسية التقليدية بسبب مواقفه الإصلاحية، لكنه اكتسب احترامًا واسعًا في العالم لدعوته إلى تواضع الكنيسة وقدرتها على الإصغاء.
إشارة إلى أن المجمع المغلق سينعقد يوم الأربعاء المقبل في كنيسة السيستين، بمشاركة الكرادلة الناخبين، لانتخاب بابا جديد يخلف فرنسيس ويواصل قيادة الكنيسة الكاثوليكية في زمنٍ تتصاعد فيه التحديات الروحية والسياسية والاجتماعية.