في تطور لافت يعكس تغيرًا عميقًا في طريقة تفاعل الكنيسة الكاثوليكية مع العالم الرقمي، بدأ عدد من الكرادلة في استخدام منصات التواصل الاجتماعي بشكل متزايد مع اقتراب موعد المجمع البابوي لاختيار خليفة للبابا فرنسيس، الذي توفي في 26 نيسان 2025.
هذا المشهد الجديد يُعدّ تحولًا كبيرًا مقارنة بالمجمع البابوي السابق الذي عُقد عام 2013 بعد استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر، حين لم تكن وسائل التواصل قد رسخت حضورها في الحياة الكنسية كما هي عليه اليوم.
وفقًا لغوستافو إنترال، مستشار الاتصالات الاستراتيجية الذي عمل مع كل من البابا بنديكتوس والبابا فرنسيس، فإن "العديد من الكرادلة باتوا أكثر انفتاحًا على التفاعل الرقمي، وهو ما يشكل فارقًا جوهريًا مقارنة بالمجمع السابق". وأضاف في حديثه لشبكة ABC News: "نحن أمام خطوة كبيرة نحو الانفتاح والشفافية".
من بين الأمثلة اللافتة، الكاردينال إيساو كوكوشي، رئيس أساقفة طوكيو، الذي نشر صورة "سيلفي" له برفقة عدد من الكرادلة داخل حافلة، خلال توجههم لأداء الصلاة أمام قبر البابا فرنسيس في الفاتيكان.
كما نشر الكاردينال ويليام جوه، رئيس أساقفة سنغافورة، عبر منصة "إكس": "صلّوا من أجلنا لنختار الشخص المناسب ليكون خليفة القديس بطرس ويقود الكنيسة في هذا العالم المعقد".
هذا النشاط المتزايد عبر المنصات الرقمية لا يقتصر على الصور والمنشورات العفوية، بل يعكس تحوّلًا في نوعية الخطاب نفسه. فبحسب إنترال، "قبل أسابيع فقط، كان المحتوى المهيمن يدور حول الروحانية والعقيدة، أما الآن فالنقاش يدور حول البابوية والمجمع الانتخابي نفسه".
ويبدو أن وفاة البابا فرنسيس شكّلت لحظة محورية في إعادة تعريف الطريقة التي يرى بها الكرادلة أنفسهم وعلاقتهم بالجمهور، في وقت أصبحت فيه الشفافية مطلبًا عالميًا، لا سيما بعد التحديات الكبرى التي واجهتها الكنيسة الكاثوليكية خلال السنوات الماضية.
لكن هذا الانفتاح لا يخلو من التحذيرات. فقد حذّر كيرت مارتنز، أستاذ القانون الكنسي في الجامعة الكاثوليكية الأميركية، من خطورة الإفراط في كشف تفاصيل المجمع المغلق، قائلاً: "يُمنع تمامًا تسريب أي تفاصيل من الاجتماعات الداخلية، وأي كاردينال يفعل ذلك قد يواجه عقوبات صارمة، تصل إلى الحرمان الكنسي". وأضاف: "لو كنت كاردينالًا، لن أقول سوى: 'نحن نصلي، فادعوا لنا'".
كما أشار والتر شايرر، أستاذ الهندسة في جامعة نوتردام، إلى جانب آخر من التحديات، قائلاً إن "الكرادلة قد يتعرضون لتعليقات سياسية أو نقد حاد بسبب بعض القضايا المثيرة للجدل داخل الكنيسة، خاصة الفضائح الجنسية". وأضاف أن معظم الكرادلة يتجنبون الرد على هذه التعليقات، ما يضعف التفاعل ويجعله أحادي الاتجاه.
رغم هذه المخاوف، يرى كثيرون أن هذا التفاعل الرقمي يتيح للمؤمنين شعورًا أكبر بالمشاركة، ويمنحهم فرصة للتعرف على شخصيات الكرادلة عن قرب، في وقت قد يكون له دور في تشكيل الرأي العام حول من يُتوقع أن يتبوأ سدة البابوية.
يُذكر أن البابا فرنسيس كان قد أطلق الحساب الرسمي للبابا على "تويتر" (الذي بات يُعرف بـ"إكس") تحت اسم @Pontifex، ما جعل من حضور البابا الرقمي أمرًا معتادًا خلال حبريته. ويتوقع إنترال أن يواصل البابا الجديد هذا التوجه وربما يعززه بالبث المباشر والتفاعل الشخصي.
من المقرر أن يبدأ المجمع البابوي يوم 7 أيار 2025، بمشاركة 122 كاردينالاً يحق لهم التصويت. ويُعقد المجمع خلف أبواب مغلقة في كنيسة سيستينا داخل الفاتيكان، حيث يُطلب من كل كاردينال أن يصوّت بحرّية تامة لاختيار خليفة للقديس بطرس، وسط عالم رقمي متغير وضغوط روحية وعالمية متزايدة.