"ليبانون ديبايت"
في خطوة مفاجئة، انطلقت مؤخرًا حملة إعلامية مكثفة تستهدف بعض شركات تحويل الأموال العاملة في لبنان، متهمة إياها بخرق قوانين مكافحة تبييض الأموال، رغم أنها تخضع لرقابة مصرف لبنان وتتمتع بشراكات مع مؤسسات مالية دولية تعتمد أعلى معايير الامتثال والشفافية.
المثير للانتباه أن هذه الحملة تركّز على شركات محددة دون غيرها، في حين تغيب تمامًا عن الخطاب أي إشارة إلى شركة "BOB Finance"، التي تعمل في المجال نفسه ويملكها أحد أبرز الوجوه المصرفية في لبنان، سليم صفير، المعروف بدوره القيادي في القطاع المصرفي. هذا التفاوت في الاستهداف يثير علامات استفهام حول موضوعية المعايير المعتمدة، وعمّا إذا كانت الحملة انتقائية تخدم مصالح خاصة تحت ستار الرقابة المالية.
وتأتي هذه الحملة في وقت تشهد فيه شركات تحويل الأموال توسعًا ملحوظًا وثقة متزايدة من المواطنين الذين فقدوا الأمل في النظام المصرفي التقليدي، خصوصًا بعد أن حُجبت ودائعهم لسنوات دون محاسبة أو حلول. وقد أصبحت هذه الشركات بديلًا أساسيًا للتحويلات الداخلية والخارجية، لما تقدّمه من مرونة وسرعة وشفافية.
ورغم استناد الحملة إلى تصريحات خارجية تدعو إلى تشديد الرقابة، فإن التوقيت والأسلوب يطرحان تساؤلات مشروعة حول الخلفيات الحقيقية لهذه التحرّكات، وهل الهدف فعلاً هو حماية النظام المالي، أم تقويض بدائل ناجحة تُنافس المنظومة القائمة.
في موازاة ذلك، يتواصل الضغط الدولي على لبنان لتعزيز الشفافية المالية، خصوصًا بعد إدراجه على "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي (FATF)، ما يستدعي إصلاحًا جذريًا لا يقتصر على الاستعراضات الإعلامية، بل يستهدف كل من يخرق القوانين بمعزل عن موقعه أو مصالحه.
ويرى مراقبون أن المطلوب اليوم هو نقاش وطني عقلاني ومسؤول حول مستقبل القطاع المالي، يكرّس مبدأ المساواة أمام القانون، ويوقف محاولات استخدام الإصلاح كغطاء للهجمات الانتقائية أو لتصفية المنافسين. فالثقة لا تُستعاد بالشعارات، بل بالمحاسبة والعدالة والشفافية الكاملة.
وقد بلغ الانحدار الإعلامي لهذه الحملة ذروته، حين جرى تشغيل من يُزعم أنهم "مؤثّرون" على وسائل التواصل الاجتماعي لتوزيع التهم يمينًا وشمالًا، وهم أنفسهم في موقع الشبهة بالدرجة الأولى، ما يكشف زيف الخطاب وضعف الحجة، ويؤكد أن الهدف لا يتعدى الدفاع عن مصالح ضيقة لم تعد تقنع أحدًا.