مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية في العاصمة بيروت، يتّضح أكثر فأكثر أن المدينة أمام خيار مصيري يتجاوز مجرد التنافس على مقاعد مجلس بلدي.
فالمسألة لم تعد فقط من يحكم بيروت إداريًا، بل من يحفظ هويتها الوطنية وخصوصيتها التي تكرّست عبر التاريخ، وعلى رأسها مبدأ المناصفة والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين.
وسط هذا المشهد، تبرز لائحة "بيروت تجمعنا" بوصفها الخيار الأكثر تمثيلًا، حيث جمعت تحت مظلتها طيفًا واسعًا من القوى السياسية الأساسية في العاصمة، في مشهد توافقي نادر في زمن الانقسامات.
هذه اللائحة، التي وُلدت من رحم الحاجة إلى وحدة الصف، تمثّل محاولة جدية لإنقاذ بيروت من الانزلاق نحو مشهد بلدي موزّع طائفيًا أو مشرذم سياسيًا.
من غير المقبول، في ظل هذه الظروف الدقيقة، أن تُرفع شعارات المقاطعة أو الدعوات إلى التشطيب. فهذه الخطابات، وإن بدت تعبيرًا عن اعتراض أو غضب، إلا أنها عمليًا تسهم في تفتيت الصوت البيروتي وتفتح الباب أمام اختلالات في التوازن، ما يهدّد مبدأ المناصفة الذي يشكّل أحد أركان هوية العاصمة.
الرهان اليوم يجب أن يكون على وحدة الصوت البيروتي، وعلى دعم لائحة تشكّل الحد الأدنى من التوافق السياسي والاجتماعي، وتملك مقومات الإدارة الفعالة والقدرة على إحداث تغيير حقيقي.
إن أي انقسام في هذا التوقيت، لن تكون نتيجته سوى مجلس بلدي ضعيف ومجزأ، يكرر التجارب السابقة ولا يلبّي تطلعات الناس في الخدمات والتنمية.
في النهاية، الاستحقاق البلدي في بيروت هو اختبار جديد لوعي الناس ومسؤوليتهم، و”بيروت تجمعنا” ليست فقط اسم لائحة، بل عنوان لمعركة هوية وإنقاذ، يُفترض أن يخوضها كل من يؤمن بأن بيروت تستحق مجلسًا بلديًا يرتقي إلى مستوى تاريخها، ويُدير حاضرها بعقل جديد، ويصون مستقبلها بوحدة حقيقية.
