"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
يقول أحد الوجوه البارزة في تيار المستقبل إن استحقاق الانتخابات النيابية في عام 2026 سيكون مصيرياً. فإما أن نخوضه وننجح فنستمر، أو نقاطعه فنخسر وننتهي سياسياً كفريق. ويضيف: “الاستمرارية كناية عن مفردة تعني في الأساس تناقل الفعل من جيل إلى آخر، وهي أيضاً نتاج فعل تراكمي. إن خسرنا هذا الجيل أو خرجنا من حساباته وذاكرته، فلن يكون لنا مكان في عمق الجيل المقبل، وعندها نكون قد انتهينا بالفعل”.
يتضح من هذا الكلام أن الانتخابات النيابية المقبلة ليست مجرد محطة سياسية اعتيادية لتيار المستقبل، بل استحقاق وجودي يمسّ “الحريرية السياسية” كفكرة. لذلك، بدأ عدد من وجوه التيار البارزة، خصوصاً المؤثرين منهم، بممارسة ضغوط من أجل حسم مسألة المشاركة في الاستحقاق النيابي عام 2026 كقوة فاعلة.
يرتكز هؤلاء على قناعة بأن رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري لا يزال يمتلك رغبة سياسية واضحة، مرتكزة على ثقل سياسي ورصيد شعبي لا يُستهان بهما، لا سيما في العاصمة بيروت. وقد ظهر ذلك جلياً خلال الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت قبل أسبوع. فعلى الرغم من غياب تيار المستقبل رسمياً عن الترشيح والتصويت، إلا أن الأرقام أظهرت أن “المناخ المستقبلي” ظلّ حاضراً بقوة، حتى وإن لم يتطابق كلياً مع خيارات التيار الرسمية المُعبَّر عنها. فمثلاً، اكتسح المرشحون الاختياريون المحسوبون على المزاج المستقبلي في العاصمة المقاعد بفعل الأصوات “الزرقاء”، وبلدياً صبّ مناصرو “سعد الحريري” أصواتهم في صناديق لائحة “بيروت بتحبك” برئاسة القيادي المستقبلي المعروف العميد محمود الجمل، والمدعومة من النائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية، ما صوّرها على أنها أقرب إلى حالة استفتاء شعبي لتثبيت موقعية الحريري في المعادلة السنية منها إلى مشاركة عادية.
فعلياً، يُعدّ حصول الجمل على أكثر من 40,000 صوت (95% منها من الأقلام السُنيّة) بمثابة خرق سياسي مصدره جمهور المستقبل، واختراق جلي وواضح لـ”بلوكات” انتخابية في العاصمة، بالإضافة إلى تعرية مشاريع “زعامات” بيروتية لا تبدأ بالنائب فؤاد مخزومي ولا تنتهي عند الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة.
وبصرف النظر عمّا إذا كان تحرّك “المستقبليين” منظماً أم لا، فقد أوصل هؤلاء رسالة أساسية مفادها أنهم يرفضون البقاء خارج التأثير السياسي في بيروت، وأن سعد الحريري وتياره ما زالا بالنسبة إليهم المرجعية السياسية الأساسية في العاصمة. بمعنى آخر، إن أصواتهم ليس مقدّراً لها الخروج عن هذا الخط، وهي ذخيرة لا بد من استخدامها خلال الاستحقاق النيابي المقبل، وهي بالضبط الرسالة التي وصلت إلى سعد الحريري في مقر إقامته بأبو ظبي.
رسالة “الجمل” لم تكن فقط في ما حملته من نتائج، بل في مضمونها السياسي أيضاً. هي تكاد تكون “انتفاضة انتخابية” ضد سياسة العزل المتّبعة تجاه الحريري، بل تتجاوز العاصمة بيروت لتطال الخطة التي يعمل عليها البعض لإعادة تشكيل المشهد السني برمّته، عبر توزيع المرجعيات على المناطق بدل الاعتماد على مرجعية مركزية كان يمثّلها الحريري.
وعلى الرغم من الجهد المبذول لتحقيق هذه الاستراتيجية، إلا أن نتائج الانتخابات الأخيرة توحي بأنها لم تحقّق أهدافها المرجوة. الدليل الأبرز كان في الأداء المتواضع للنائب فؤاد مخزومي بيروتياً، الذي لم يتمكن من تجيير أكثر من 3,000 إلى 4,000 صوت، رغم أنه يُقدَّم كمشروع مرجعية بديلة لبيروت. وتؤكد الوقائع أن المعركة كانت، في جانب منها، لتوجيه صفعة مدوية لمخزومي، شبيهة بتلك التي وُجّهت إلى الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة في انتخابات 2022.
في المقابل، تكثر التساؤلات حول أداء الحريري السياسي، وسط اتهامات بأنه لا يزال عاجزاً عن تأمين “هبوط سياسي آمن” يمهّد لعودته. ويُقال إن “الشيخ سعد” يحتاج إلى محفّز قوي للعودة، وربما لم يتوفر بعد.
في كل الأحوال، يجد الحريريون أنفسهم اليوم أمام تقاطع حاسم يرتبط بمصير “الحريرية السياسية”، التي لم تعد بحاجة إلى خطابات، بل إلى حضور فعلي في صناديق الاقتراع. وهذا ما يُعمل عليه الآن، إذ بات العديد من قادة المستقبل، وخاصة أولئك الذين يُصنَّفون كمرشحين محتملين، يعلنون صراحة أنهم “سلّفوا” الحريري قرار الانسحاب من انتخابات 2022، لكنهم غير مستعدين لتكرار التجربة في انتخابات 2026. ببساطة، لأن مصير “الحريرية” بات على المحك، بل يذهب بعضهم إلى التأكيد أنهم سيترشحون مهما كانت الظروف، تحت شعار “المحافظة على إرث رفيق الحريري وبيته السياسي”.