في العلن، يُعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الشراكة مع الصين "راسخة"، ويصفها بتحالف يدخل "عصره الذهبي" على المستويين العسكري والاقتصادي. لكن خلف جدران جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في موسكو، تتردد مقولة مغايرة تماماً: الصين "تهديد خفي وعدو ناشط".
صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت في تقرير استقصائي أن وحدة استخبارات سرية داخل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أعدّت وثيقة داخلية غير مؤرخة، مؤلفة من 8 صفحات، تتضمّن تحذيرات واضحة من "تصاعد الأنشطة الاستخبارية الصينية ضد روسيا"، وتُظهر أن بكين تسعى لتجنيد جواسيس روس، وسرقة تقنيات عسكرية حساسة، واستغلال المعارضة لاستدراج الخبراء.
الوثيقة السرية تشير إلى أن الصين تراقب عن كثب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتحاول فهم طبيعة الأسلحة التي يستخدمها الجيش الروسي في حربه المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات. وتكشف أيضاً أن الاستخبارات الصينية تنشط في القطب الشمالي تحت غطاء شركات تعدين ومراكز أبحاث جامعية.
تصف الوثيقة العلاقة الاستخبارية بين موسكو وبكين بأنها "معركة متوترة ومتطورة ديناميكياً"، رغم المظاهر الدبلوماسية الدافئة. ووفق الصحيفة، تمثل هذه الوثيقة أكثر الرؤى وضوحًا حتى الآن حول نظرة روسيا الحقيقية للصين، من زاوية أجهزة الأمن والاستخبارات.
الخبير الروسي المنفي أندريه سولداتوف، الذي اطّلع على الوثيقة بطلب من "نيويورك تايمز"، علّق بالقول: "هناك انقسام واضح؛ القيادة السياسية مؤيدة بالكامل للتقارب مع بكين، لكن أجهزة الأمن والاستخبارات تشكّك بعمق وتتعامل مع الصين كتهديد استراتيجي".
الصحيفة أوضحت أنها عرضت الوثيقة على ست وكالات استخبارات غربية، وجميعها أكدت صحتها. في المقابل، رفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف التعليق، كما تجاهلت الخارجية الصينية طلب الصحيفة.
منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط 2022، أصبحت الصين شرياناً أساسياً للاقتصاد الروسي، عبر استيراد النفط وتوفير الرقائق والبرمجيات والمعدات العسكرية. وحلت العلامات التجارية الصينية مكان نظيرتها الغربية التي غادرت السوق الروسية بفعل العقوبات. كما أعلن البلدان رغبتهما بالتعاون في مجالات تمتد من السينما إلى بناء قاعدة قمرية مشتركة.
لكن، وعلى الرغم من هذا التقارب العلني وعبارات "الشراكة بلا حدود" التي يتبادلها بوتين وشي جين بينغ، فإن الوثيقة الأمنية الروسية تكشف أن "للشراكة حدوداً أمنية واستخباراتية صارمة"، قد تزداد وضوحاً مع اشتداد التنافس الجيوسياسي في السنوات المقبلة.