كانت مهمة قصف ثلاثة منشآت نووية في إيران خلال عطلة نهاية الأسبوع واحدة من أصعب المهمات التي تطلبت من طياري قاذفات B-2 اختبار حدود التحمل البشري في مهمة استمرت 37 ساعة. حلّقت سبع قاذفات "شبح"، تحمل كل منها فردين من الطاقم، دون توقف في نصف الكرة الأرضية ذهاباً وإياباً، في واحدة من أطول الغارات الجوية في التاريخ العسكري الحديث.
يُعد الكولونيل المتقاعد في سلاح الجو ستيفن ديل من القلائل الذين يدركون تجربة التواجد في قمرة القيادة خلال عملية ماراثونية كهذه. كان جزءاً من طاقم B-2 الذي شارك في مهمة استمرت 44 ساعة عام 2001 في أفغانستان، والتي لا تزال تحمل الرقم القياسي لأطول مهمة جوية. وصف ديل العملية الأخيرة بأنها "إنجاز مذهل".
شارك في الهجوم أكثر من 125 طائرة، إلى جانب القاذفات السبعة التي انطلقت من قاعدة وايتمان الجوية في ميسوري، مع تواجد قاذفات أخرى ضمن خطة خداع، إضافة إلى طائرات مقاتلة واستطلاع وناقلة وقود متمركزة على طول المسارات.
أشار ديل إلى أن النقطة الأبرز هي أن سبع طائرات نفذت سبع غارات مختلفة خلال 30 دقيقة فقط. وهو الآن مدير مدرسة دراسات الردع النووي المتقدمة في كلية القيادة والأركان الجوية، مؤكداً أن تجربته تتعلق بمهمته في 2001 وليس لديه معلومات عن الغارة الأخيرة.
مهمة ديل القياسية كانت جزءاً من عملية "الحرية الدائمة" التي أطلقها الرئيس جورج دبليو بوش بعد هجمات 11 سبتمبر، وكانت تتطلب قاذفات بعيدة المدى وعالية الارتفاع مثل B-2. تدرب الطيارون على جهاز محاكاة طويل الأمد لمساعدتهم على تنظيم نومهم، إلا أن المهمة لم تكن تتجاوز 24 ساعة عادة.
كانت أطقم القاذفات مجهزة مسبقاً للمهمة، لكن لم يكن لديهم علم بموعد تنفيذها. تلقى الطاقم حبوب منومة للمساعدة على الراحة قبل الإقلاع، وأوضح ديل أنهم كانوا مستعدين للإقلاع في الليلة الثانية إذا اتخذ الرئيس القرار.
في يوم المهمة، استيقظ ديل قبل الإقلاع بعدة ساعات لحضور جلسات الإحاطة مع طاقم الطائرة الأخرى، وانطلقوا على متن قاذفة "روح أمريكا". خلال الطيران، كان الطاقم يتناوب على النوم في سرير صغير خلف قمرة القيادة، حيث يتاح لفرد الطاقم غير الجالس أخذ قسط من الراحة لعدة ساعات.
تحدث ديل عن صعوبة النوم وسط مستوى القلق الطبيعي في المعارك، لكنه أكد أن الراحة ضرورية لجسم الطيارين. استمرت المهمة عبر المحيط الهادئ، حيث استغل الطاقم ضوء الشمس المستمر لمواجهة النعاس، وتلقى الدعم الكيميائي للبقاء مستيقظين، حيث تناولوا حبوب منومة وأمفيتامينات.
كانت الطائرة B-2 واحدة من أغلى وأكثر القاذفات تطوراً، لكن مرافقها على متن الطائرة كانت بدائية، إذ استخدم الطيارون مرحاضًا كيميائيًا محدود الاستخدام بسبب ضيق الخصوصية، كما كانوا يشربون كمية كبيرة من الماء ويستخدمون أكياس التبول.
على الرغم من طول المهمة التي استمرت أكثر من 40 ساعة، لم يتناول الطيارون طعاماً كثيراً نظراً لقلة النشاط البدني أثناء الطيران. تم تزويد الطائرة بالوقود عدة مرات جواً، ومرّ الطاقم بمراحل عدة من الغارات، حيث أسقطوا حمولتهم فوق أفغانستان قبل أن يُطلب منهم العودة مجدداً لضرب أهداف أخرى.
عقب انتهاء المهمة، هبط الطاقم في قاعدة دييغو غارسيا لتلقي الإحاطة ومشاهدة فيديو الأهداف وضبط الاستراحة.
وصف جنرال متقاعد في سلاح الجو، ستيفن باشام، لحظة الإقلاع بأنها "أكثر لحظة سريالية" في حياة الطاقم، مشيراً إلى أن المهمة كانت سرية للغاية وقليلة من يعلم بها.
تميزت المهمة بحمولة ثقيلة من قنابل GBU-57 الخارقة للذخائر الضخمة، التي تزن 30 ألف رطل، وهي مصممة لاختراق أعماق الجبال وتعزيز جوانب البرنامج النووي الإيراني، وكانت هذه أول مرة تستخدم فيها هذه القنابل في قتال، مع قدرة قاذفات B-2 فقط على حملها.
أكد باشام أن فقدان عدة أطنان من الوزن بعد القصف كان له تأثير ضئيل على الطائرة المتطورة، وأن عمليات التزود بالوقود في الجو خلال العودة كانت من أصعب التحديات التي واجهها الطاقم المُنهك.
وختم باشام بأن أكثر ما سيشعر الطيارين بالفرح هو لحظة دخولهم الأجواء الأميركية والترحيب بهم من قبل مراقبي الحركة الجوية في بلادهم.