ويؤكّد العميد ملاعب، في حديثٍ إلى "ليبانون ديبايت"، أن "الدبلوماسية اللبنانية تسعى إلى الحفاظ على وتيرتها لتتمكن من تفعيل حركتها، وكان من المهم جدًا وجود رئيس الحكومة نواف سلام في قطر، بعد القصف الإيراني الذي استهدف قاعدة العديد هناك، إذ يُحتمل أن يكون ذلك مرتبطًا بدور قطر، التي تسلّمت مبدئيًا ملف الوساطة بعد فشل وساطة سلطنة عُمان، وفي ظلّ توقّف الحراك الدبلوماسي الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب سابقًا، كلّف الأميركيون قطر بالتواصل مع إيران، ويبدو أن الجهود القطرية حققت نجاحًا أكبر مقارنةً بغيرها".
ويُذكّر بأن "منذ نحو عام، شهدنا تجربة لافتة مع قطر، حين أُعيدت أموال إيرانية محجوزة في كوريا الجنوبية بوساطة قطرية، ويُعدّ هذا القرار الأميركي مؤشّرًا بالغ الأهمية، ما يفسّر نشاط الدبلوماسية اللبنانية وتمسّكها بموقفها الثابت، على أمل أن يُفتح باب الحديث عن زوال الاحتلال، تمهيدًا لحسم مصير السلاح وتسليمه".
ويرى أن "ما جرى حتى الآن يمكن اختصاره بأن الأميركي قال كلمته عبر الخيار العسكري، وأن الفريقين المتصارعين أنهكتهما المناوشات، فإسرائيل باتت غير قادرة على تحمّل التدهور الأمني والعسكري، وقد تراجعت فعالية منظومتها الدفاعية، في وقتٍ تمكنت فيه إيران، على ما يبدو، من تحقيق خروقات من دون أن تكتشفها الرادارات أو يُرصد تحرّكها، هذه المسألة سبق أن تحدثنا بها، وتوقع كثيرون أن تكون الصرخة الأولى من إسرائيل، وهو ما حصل. إذ لجأت إسرائيل إلى التصعيد الجوي المكثف في محاولة لإيذاء عدوها، وقصفت ستة مطارات في يوم واحد، بذريعة استخدامها من قبل طائرات F-14 القديمة، رغم أن هذه الطائرات لم تُستخدم فعليًا، وهذا يؤشر إلى أن الطرفين باتا بحاجة إلى طرف ثالث يوقف هذا المسار".
في هذا السياق، يوضح أن "لروسيا دورًا مهمًا، فقد عرضت بدايةً التوسّط بحكم علاقتها الجيدة بالطرفين، إيران وإسرائيل، وطرحت وساطتها على الأميركيين. وقد نجحت جزئيًا في تحييد منشأة بوشهر النووية، التي أنشأها الروس، والتي كان استهدافها سيُنتج إشعاعات تطال الخليج وحتى سوريا. لكن يتضح أن الدور الروسي لم يتعدّ تخفيف وتيرة الضربات أو تأخير التدخل الأميركي، ما يعني أنه ساهم في خفض مستوى التصعيد، على أمل دفع الأمور نحو الحلول السلمية".
ويلفت إلى أن "نقطة التحول كانت في زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى موسكو، حيث طالب بتنفيذ الاتفاقات التي أُبرمت بين طهران وموسكو، خصوصًا تسليم طائرات سوخوي 35 من الجيل الرابع والنصف، ومنظومات الدفاع الجوي S-400الإيرانيون تدربوا على هذه المنظومات، لكنهم لم يتسلموها بعد، وكان جواب الرئيس الروسي لافتًا بأن "روسيا تلبي مطالب إيران بما يخدم السلام"، ما يعني ضمنًا أنه لا يوافق على تزويد إيران بما يُمكنها من ترجيح كفة القتال أو التفوق العسكري، وبات واضحًا أن الفريقين بلغا نقطة الإنهاك، إيران تُركت بمفردها، وهناك تطور نوعي يتجاوز مجرد إصابة منشأة سيبرانية إسرائيلية بصاروخ لم يُكتشف بالرادار، إذ إن سفينة غربية اقتربت من ميناء اشكول لكنها لم تتمكن من الرسوّ بسبب إجراءات الإنذار، وهذا يُظهر جدية التهديد الإيراني باستهداف السفن التي تنقل السلاح والذخائر إلى إسرائيل، وهو ما أثّر بوضوح على قرار تل أبيب".
ويشير إلى أنه "كان لافتًا أن إيران أبلغت قطر مسبقًا بالضربة، ما يرجّح وجود تنسيق غير مباشر مع الأميركيين. هذه ليست مجرّد تكهنات، فالرئيس الأميركي قالها صراحة "شكرًا لإيران لأنها أعلمتنا"، وهو تصريح واضح لا لبس فيه، فاليوم، كلا الطرفين يسعى إلى وقف إطلاق النار، لكن لا بد من جهة تتدخل بالحسم، وقد فعل الأميركي ذلك، إذ قال كلمته ومنع أي رد إسرائيلي كبير بعد وقف إطلاق النار، وأظهر جدية في التزامه تجاه إيران، ويبدو أنه بدأ بتخفيف العقوبات تدريجيًا، خاصة مع سماح واشنطن للصين باستيراد النفط الإيراني".
أما في لبنان، فيقول: "السؤال المطروح، هل نحن أمام تكرار لسياسة أوباما، التي سمحت سابقًا لإيران بالتوسع والعبث في الدول العربية، وقسّمت النفوذ في العراق وأطلقت يد طهران في المنطقة؟ هل ما يجري اليوم يخدم المصلحة الأميركية؟ ربما، وهل ما حدث في اليمن أي تحرير خطوط التجارة البحرية دون فرض وقف لإطلاق الصواريخ على إسرائيل يُعدّ مؤشرًا على اتفاق إيراني-إسرائيلي لعزل إيران عن الساحات العربية مقابل تخفيف العقوبات؟ هذا أيضًا وارد".
ويتابع: "لكن ما هو مؤكد، أن أي سيناريو يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لتفرض نفسها على المنطقة، سيواجه قيودًا، ليس من إيران وحدها، بل من قوى إقليمية صاعدة، تركيا، مصر، والمملكة العربية السعودية لن تسمح لإسرائيل بأن تقول "سنغيّر وجه الشرق الأوسط"، هذا الأمر بات واضحًا".
ويختم العميد ملاعب: "نحن أمام مرحلة حساسة لإظهار طبيعة التفاهم القائم، وقد نكون على مشارف صفقة أميركية كبرى في المنطقة، فطالما الهيمنة الأميركية باقية، فإن تراجع الدور الإسرائيلي وارد، ومعه صعود محتمل لدول الخليج، التي ارتقت إلى مصاف الدول الحديثة لتأخذ موقعها المستحق، وكذلك تركيا لن تقبل بأن تُدرج إسرائيل في معادلة الدول الكبرى، التي قد تشمل إيران، مصر، السعودية، ودول الخليج، مقابل أن تكون إسرائيل إحدى هذه الدول، لا أن تفرض نفسها سيدة عليها".