“ليبانون ديبايت”
في مشهد صادم سُجِّل بوضوح في محضر الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب، وقف النائب مارك ضو مجاهرًا أمام زملائه بأنه يملك توقيع 68 نائبًا على عريضة تطالب بالمباشرة بدراسة اقتراح القانون المكرّر المعجّل المتعلق بتعديل قانون الانتخاب لجهة اقتراع المغتربين للنواب في الداخل. ولإضفاء مزيد من الثقل على ادعائه، لوّح ضو بالمستند بيده أمام الهيئة العامة، في تصرّف عكس إصراره على ترسيخ مزاعمه.
إلا أن الواقع سرعان ما فضح هذه المزاعم، إذ أظهرت مراجعة دقيقة للعريضة التي حصل عليها “ليبانون ديبايت” أن عدد الموقّعين لا يتجاوز فعليًا 56 نائبًا في أقصى تقدير، بل قد يكون أقل من ذلك بكثير إذا ما أُخذ في الاعتبار أن بعض التواقيع وُضعت بصيغة تمثيل كتل، بينما الأصول البرلمانية والدستورية واضحة في هذا المجال: النائب يوقّع باسمه الشخصي، لأنه يمثل الأمة جمعاء وليس فقط كتلته. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الرقم (56 توقيعًا) هو حصيلة المستند الذي عُرض يوم الجلسة، رغم وجود مساعٍ لاحقة لزيادة عدد الموقّعين.
ما يزيد من خطورة هذا التصرف أنه لم يحصل في أروقة المجلس أو عبر تصريحات صحفية، بل تحت قبّة البرلمان نفسها، وأمام أعين كامل أعضاء الهيئة العامة، ودُوِّن رسميًا في محاضر المجلس. وهذا يطرح بحدّة سؤالًا أساسيًا: هل يتحمّل النائب مارك ضو مسؤولية تضليل الهيئة العامة عبر الادّعاء بامتلاك توقيع هذا العدد من النواب، خلافًا للحقيقة الثابتة؟
وهل بلغ الاستخفاف بالعمل التشريعي حدّ المجاهرة بأرقام مغلوطة داخل أعلى سلطة تشريعية في البلاد، لمجرّد تحقيق مكاسب سياسية أو إعلامية لحظية؟
هذا المشهد يعيد التأكيد على الحاجة الملحّة لاحترام قواعد الشفافية والدقّة داخل مجلس النواب، وهو الذي يُفترض أن يكون مصدر التشريع والجهة التي تراقب وتحاسب. فكيف إذا كان أحد أعضائه يضعه في موقع مُحرج عبر ترويج معلومات لا تستند إلى حقائق موثوقة؟
ويبقى الأمر برسم الرأي العام اللبناني، الذي يرى في مثل هذه الممارسات دليلًا إضافيًا على حجم الهشاشة في مقاربة الملفات الدستورية والقانونية الكبرى، حتى داخل منبر يُفترض به أن يكون القدوة في الانضباط واحترام الأصول.
