لكن صباح اليوم، تبدّل المشهد تمامًا. الغارات الإسرائيلية على سوريا لم تكن مجرد رسالة تحذيرية، بل عملية عسكرية واسعة النطاق، طالت مناطق سيادية حساسة، أبرزها محيط قصر الرئاسة في دمشق، في استهداف هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد. القصف لم يدمّر القصر بالكامل، لكنه ألحق أضرارًا جسيمة في محيطه، ورسالة سياسية لا تقلّ دمارًا عن الصواريخ.
فهل نحن أمام انهيار مفاوضات السلام، أم أمام مرحلة جديدة من “الدبلوماسية بالقصف”؟
بحسب معلومات متقاطعة، كانت إسرائيل قد طرحت في الكواليس مطالب شديدة الحساسية: اعتراف رسمي ونهائي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وقف كامل لأي تواجد عسكري غير سوري في الجنوب، وفتح باب التنسيق الأمني مع تل أبيب في ملفات الحدود والمجموعات المتطرفة. دمشق، رغم سعيها للخروج من عزلتها واستعادة دورها الإقليمي، رفضت حتى الآن تقديم التنازلات الكبرى، وعلى رأسها ملف الجولان، لما له من رمزية تاريخية ووطنية يصعب التراجع عنها علنًا.
لكن يبدو أن إسرائيل قرأت هذا التردد على أنه مناورة، وقررت الانتقال إلى “الخيار الصادم”: قصف رموز السلطة السياسية، والرسالة واضحة – القصر اليوم، وربما ما هو أكبر غدًا.
مصدر دبلوماسي مطّلع قال إن الغارات الأخيرة لم تكن مجرد ردّ فعل على تهديد محدد، بل “رسالة استراتيجية” مفادها أن زمن التساهل انتهى، وأن إسرائيل تريد من دمشق مواقف واضحة، لا رمادية.
وفي هذا السياق، أعاد مراقبون التذكير بأن واشنطن وتل أبيب تعتمدان مؤخرًا سياسة “الترهيب التفاوضي” – أي استخدام الضغط العسكري لدفع الخصم إلى طاولة مفاوضات بشروط أكثر صرامة. سوريا، الخارجة من عزلة إقليمية ودولية طويلة، تحاول إعادة تموضعها، لكنها بين فكّي كماشة: إما الرضوخ لمطالب تُنهي النزاع، أو مواجهة عسكرية قد تنهي النظام.
وفي ظل هذا التصعيد، يبرز احتمال أن تكون الضربات مجرد البداية، إذ تشير مصادر أمنية إلى أن إسرائيل وضعت خططًا جاهزة لتوسيع نطاق العمليات في حال لم تتلقَّ تجاوبًا سوريًا واضحًا خلال الأيام المقبلة.
من ناحية أخرى، يغيب عن المشهد أي تحرك دولي جدي للتهدئة. فواشنطن تلتزم الصمت، وموسكو منشغلة بملفاتها، فيما يكتفي المجتمع الدولي بالمراقبة والقلق.
فهل ما نشهده هو تصعيد موضعي ضمن لعبة ضغط وتفاوض؟ أم بداية لمواجهة مفتوحة بين إسرائيل وسوريا تُنذر بانفجار شامل يعيد رسم الخريطة السياسية والعسكرية للمنطقة؟
في الشرق الأوسط، لا تُكتب الفصول الأخيرة في غرف المفاوضات، بل على أبواب القصور التي تحترق.