قضت محكمة النقض الفرنسية، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، اليوم الجمعة، ببطلان مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد، معتبرة أن لا استثناء يُمكن أن يرفع الحصانة القانونية لرئيس دولة أثناء توليه منصبه.
لكن رئيس المحكمة، كريستوف سولار، أشار في ختام جلسة علنية نُقلت مباشرة عبر الإنترنت – في خطوة غير مسبوقة – إلى أن الأسد، وبعد أن أُطيح به من الحكم في كانون الأول 2024، "لم يعد يتمتع بالحصانة"، ما يفتح الباب أمام إصدار مذكرات توقيف جديدة أو متابعة التحقيقات القضائية بحقه في قضايا تتعلّق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وكان القضاء الفرنسي قد أصدر، في تشرين الثاني 2023، مذكرة توقيف بحق الأسد بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، على خلفية هجمات كيميائية نُسبت إلى القوات السورية أثناء توليه الحكم، خاصة تلك التي وقعت في الرابع والخامس من آب 2013 في عدرا ودوما، والتي أصابت نحو 450 شخصًا، إضافة إلى الهجوم الأوسع في 21 آب في معضمية الشام والغوطة الشرقية، الذي أودى بحياة أكثر من 1000 مدني، بحسب تقديرات واشنطن وشهادات ميدانية آنذاك.
وبينما نفت السلطات السورية آنذاك مسؤوليتها عن الهجمات الكيميائية، محمّلة الفصائل المعارضة مسؤولية تنفيذها، أطلق القضاء الفرنسي تحقيقًا في القضية مستندًا إلى مبدأ "الاختصاص القضائي العالمي" الذي يتيح ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة، بغض النظر عن مكان وقوعها أو جنسية مرتكبيها.
ومنذ عام 2021، تولّى قضاة التحقيق في وحدة الجرائم ضد الإنسانية بمحكمة باريس القضائية متابعة التسلسل القيادي المسؤول عن هذه الهجمات، وهو ما أفضى إلى إصدار أربع مذكرات توقيف بحق كل من بشار الأسد، وشقيقه ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة، إلى جانب ضابطين آخرين هما غسان عباس وبسام الحسن.
رغم قرار إبطال المذكرة السابقة، تشير التطورات القضائية الفرنسية إلى أنّ المحاسبة القضائية قد تعود لتلاحق الأسد في المرحلة المقبلة، بعد زوال الحصانة الرئاسية، ما يُبقي المسار القانوني الدولي مفتوحًا أمام ملاحقة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين في سوريا.