اقليمي ودولي

الجزيرة
الأربعاء 30 تموز 2025 - 21:28 الجزيرة
الجزيرة

من الضحية إلى القامع: إسرائيل تستبدل ذاكرة المحرقة بالملاحم التوراتية

من الضحية إلى القامع: إسرائيل تستبدل ذاكرة المحرقة بالملاحم التوراتية

في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل حربها المفتوحة على قطاع غزة، تشهد سرديتها السياسية والدبلوماسية تحوّلاً جوهريًا، يُعدّ من بين الأعمق منذ تأسيس الدولة عام 1948. فبينما كانت "ذاكرة الهولوكوست" تشكل لسنوات حجر الزاوية في شرعيتها الأخلاقية، تتجه الحكومة الإسرائيلية، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، نحو استبدال هذه الذاكرة بملاحم توراتية تبرّر من خلالها سياسات التوسع والحصار والتجويع، بعيدًا عن الالتزامات الأخلاقية والدولية.


ففي متحف "ياد فاشيم" في القدس، تُعرض صور ضحايا المحرقة وتُروى مآسي أوشفيتز وتريبلينكا، كجزء من سردية "الضحية المطلقة". لكن في غزة، حيث يموت الأطفال جوعًا، يرى مراقبون أنّ هذه السردية لم تعد تنسجم مع الواقع، بل باتت تُستخدم كقناع سياسي يُخفي ممارسات عنيفة في حق المدنيين.


هذا التبدّل في الخطاب لم يأتِ من فراغ. مع تآكل فعالية "بطاقة الضحية" دوليًا، بدأت إسرائيل في تبني خطاب ديني تلمودي يُحيي سردية "أرض الميعاد"، سواء في المحافل الدولية أو عبر رمزية العمليات العسكرية التي تستلهم نصوصًا توراتية. وفيما أطلقت على عملياتها في غزة أسماء من العهد القديم، مثل "عربات جدعون"، بات التبرير الديني بديلاً عن السردية الأخلاقية.


ويحذّر محللون إسرائيليون من هذا التحول. فقد وصف ألوف بن في صحيفة "هآرتس" توظيف الهولوكوست في السياسة بـ"الكليشيه الخطير"، لأنه يسمح بتجاهل البعد الأخلاقي. فيما كتب يوآف ليمور في "يديعوت أحرونوت": "عندما نستخدم الجوع كسلاح، لا نفقد الأخلاق فقط، بل نفقد هويتنا كضحية".


التحول الإسرائيلي نحو خطاب توراتي لا يقتصر على الداخل، بل يستهدف دعمًا مسيحيًا صهيونيًا في الغرب، ما يخلق تحالفًا دينيًا-سياسيًا يوفّر الحماية من الضغوط الدولية والمساءلة أمام القانون الدولي، خاصة في ما يتعلق بالاستيطان والحصار.


لكن هذا النهج، وفقًا لمحللين فلسطينيين ودوليين، قد يؤسس لعزلة أخلاقية متزايدة، ويكشف أزمة هوية في قلب المشروع الصهيوني: من دولة تأسست على رماد المأساة، إلى سلطة تنكر على الآخرين إنسانيتهم.


ومع تزايد المقارنات على المنصات الرقمية بين معاناة غزة والفظائع التاريخية، وتقدّم الفلسطينيين في ساحات القانون والرأي العام العالمي، يبدو أن الرواية الأخلاقية الإسرائيلية لم تعد تحظى بالحصانة التي طالما تمتعت بها.




تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة