اقليمي ودولي

BBC
السبت 02 آب 2025 - 08:02 BBC
BBC

ترحيل 1.5 مليون أفغاني يتحول إلى أزمة… وطهران تلوّح بورقة «التجسس»

ترحيل 1.5 مليون أفغاني يتحول إلى أزمة… وطهران تلوّح بورقة «التجسس»

امتلأت عينا علي أحمد بالدموع وهو يرفع قميصه ليكشف كدمات عميقة على ظهره، قائلاً إن ضباطًا إيرانيين اعتدوا عليه أثناء احتجازه واتهموه بالتجسس. وأضاف: «استخدموا خراطيم المياه وأنابيب الحديد وألواح الخشب لضربي… عاملونا مثل الحيوانات».


كان علي أحمد يتحدث إلى «بي بي سي» مطلع الشهر الجاري عند معبر إسلام قلعة على الحدود الإيرانية – الأفغانية، قبل أن يعبر عائدًا إلى بلاده. وقد جرى تغيير اسمه حفاظًا على هويته.


وتقول إيران إنها تستضيف أكثر من أربعة ملايين أفغاني بلا وثائق، لكنها كثفت في الأشهر الأخيرة عمليات ترحيلهم. ففي آذار الماضي، أمهلت من لا يحملون أوراقًا حتى تموز للمغادرة طوعًا، لكن منذ اندلاع مواجهة قصيرة مع إسرائيل في حزيران، أعادت السلطات مئات الآلاف قسرًا، متذرعة بمخاوف أمنية. ووفق الأمم المتحدة، بلغت الإعادات اليومية ذروتها أوائل تموز بنحو 50 ألف شخص يوميًا، غالبًا بعد رحلات شاقة.


يقول علي أحمد إن المسؤولين الإيرانيين صادروا أمواله وهاتفه وتركوه «من دون فلس واحد للعودة»، مشيرًا إلى أنه عاش في إيران عامين ونصف. وقد تزامن هذا التشديد مع انتشار مزاعم تربط الأفغان بالاستخبارات الإسرائيلية، بينها تقارير إعلامية إيرانية تزعم اعتقال أشخاص بتهم التجسس.


وقال شخص آخر لـ«بي بي سي نيوز أفغان» إن الأفغان يُتهمون عادة بأنهم «جواسيس» أو «يعملون لصالح إسرائيل» أو «يصنعون طائرات مسيّرة في منازلهم». ويرى الخبير في الشأن الأفغاني بارنيت روبن أن طهران تبحث عن «كبش فداء» لتغطية إخفاقاتها في الحرب مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن اتهامات التجسس تمنح الحكومة ذريعة لترحيل الأفغان غير الموثقين.


ورغم محاولة «بي بي سي» التواصل مع الحكومة الإيرانية، لم يصدر رد رسمي. فيما نقلت وكالة «إرنا» في 18 تموز عن السلطات أن «إعادة اللاجئين الأفغان تتم من دون توتر ومع احترام حقوق الإنسان».


عبد الله رضائي، وهو اسم مستعار آخر، يروي بدوره أنه تعرض مع آخرين للضرب المبرح على يد 15 ضابطًا إيرانيًا في مركز احتجاز. ويقول: «مزقوا تأشيرتي وجواز سفري واتهموني بأنني جاسوس… ضربونا بهراوات بلاستيكية». ويصف أيام احتجازه الأربعة بأنها «كانت كأربع سنوات» مليئة بالإساءة والعنف ونقص الطعام.


بدأت الادعاءات عن تعاون أفغان مع الاستخبارات الإسرائيلية مع اندلاع الحرب. ففي 13 حزيران، يوم الهجوم الإسرائيلي على منشآت نووية وعسكرية إيرانية، حثّت الحكومة السكان على الإبلاغ عن أي أنشطة مريبة. وبعدها بيومين، انتشرت مقاطع اعتقال أفغان بزعم حيازتهم طائرات مسيرة، لكنها تبين لاحقًا أنها قديمة وتعود لمهاجرين غير شرعيين. كما أعلن الحرس الثوري في 18 حزيران توقيف 18 أفغانيًا في مشهد بتهمة تصنيع طائرات مسيرة لصالح إسرائيل، قبل أن ينفي مسؤول أمني لاحقًا أي صلة لهم بالتجسس.


ورغم ذلك، تصاعدت الحملة المعادية للأفغان على منصات التواصل، حيث جرى تداول وسم «طرد الأفغان مطلب وطني» أكثر من 200 ألف مرة خلال شهر. ويقول باحث في «شاهد أفغان» إن الفرق هذه المرة أن المعلومات المضللة جاءت من وسائل الإعلام الرسمية.


ووفق الأمم المتحدة، غادر أكثر من 1.5 مليون أفغاني إيران منذ كانون الثاني، بينهم أكثر من 918 ألفًا بين 22 حزيران و22 تموز فقط. وكان بعضهم يعيش في إيران منذ أجيال. فمنذ السبعينيات، فر ملايين الأفغان إلى إيران وباكستان هربًا من الحروب، وآخر موجاتهم كانت بعد سيطرة طالبان على الحكم عام 2021.


لكن خبراء يحذرون من أن أفغانستان غير قادرة على استيعاب هذه الأعداد، إذ تعاني أصلًا من موجات عودة قسرية من باكستان. وفي البداية، رحّبت إيران بالأفغان، لكن مع الوقت زادت المشاعر المناهضة لهم، مدفوعة بروايات إعلامية تصورهم كعبء اقتصادي. وفي التسعينيات، أُججت الكراهية بعد نسب جرائم قتل واغتصاب – بلا أدلة – إلى أفغاني، قبل أن يتضح أن الفاعل إيراني.


اليوم، تتفاقم العداوة إلى درجة أن كثيرين يفضلون البقاء في منازلهم، لكن بالنسبة لكثيرين آخرين، لم يعد ذلك ممكنًا، فيما تبقى الحدود مكتظة بالراحلين.


أما عبد الله، فيختصر حاله بعد الترحيل بكلمات قليلة: «لقد فقدت كل شيء».

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة