"ليبانون ديبايت" - الدكتور جورج حرب
أخطر المراحل السياسيّة هي تلك التي تتجاذبها تناقضات أهونها خطِر وأشدّها قاتل.
لبنان، يمرّ بمرحلة كهذه، في ظلّ حرب اندلعت منذ عام ولا تزال مستمرة، خفتت حدّتها نتيجة مفاوضات أثمرت، اعتبرتها إسرائيل استسلاماً من الحزب، فيما رآها الحزب وقفاً للعدوان، والطرفان يتصرفان منذ سنة كلّ على اعتباره، أمام دولة، أركانها أتوا على أساس حصر السلاح، مع شبه إجماعٍ سياسيّ من ضمنه المقاومة، إنتخاباً وتسميةً، وحتى تأييداً للبيان الوزاري الذي تجدّد بإعطاء الثقة منذ أيّام، لتُثار مجدداً إشكاليّة جلسة وزارية مقبلة، ببندٍ مصيريّ يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، وخلف الحكومة حلفاء يمارسون أقصى درجات الضّغط الإعلاميّ والسياسيّ لسحب السلاح، ورفض مطلق من قياديّي المقاومة، يواكب كلّ ذلك قرارٌ دوليّ مبرم للتنفيذ، مع تصعيد لوتيرة القصف الإسرائيليّ. إنها ملهاة السياسة في لبنان، والدليل، تبديل مندوبَين للرئيس الأميريكيّ خلال أشهر من دون التوصل إلى أيّ قرار.
ماذا يحصل في لبنان؟
اللبنانيّون يكسبون الوقت، هرباً ممّا ذكرنا أعلاه، مع ضياعٍ في فهم الوجه الحقيقيّ للدافع الدوليّ نحو قرارٍ ما، فالقضيّة ليست قضيّة سحب سلاح ولا حصريّته، القضيّة في تغيير جذريّ لدور لبنان المستقبليّ، بما يتوافق مع المصالح الدوليّة والإقليميّة وربّما اللبنانيّة، بعد أن كان ساحة مواجهة، بكلّ أسرار وبروباغندات تلك المواجهة، بات المطلوب من لبنان أن يتحوّل إلى ساحة حيادٍ تامّ مرحليّاً، ثمّ إلى ساحة خلفيّة للمقبل على المنطقة من اتفاقيّات سلامٍ وتطبيعٍ وتصدير غاز واستراتيجيّات اقتصاديّة وأمنيّة وأيديولوجيّة. اختزل اللبنانيّون إشكاليّة السلاح، بين من يتمسّك به بدافع الخوف، ومن يسعى لسحبه بدافع التشفّي، والطرفان قد أخطآ الحساب، لأن الأيّام المقبلة ستعود بلبنان إلى حضن غربيّ ضروريّ للغرب، ومن منا يستطيع الجزم أن الغرب يريد أن يحتضن لبنان بخريطته الحالية ! ها هي دول عظمى تبدّل سفراء ممثلين لرئيسها في لبنان بعد تصريحات تحدّثت عن تغيير خرائط وضمٍّ وفصلٍ بين الدول، وتغيير هؤلاء لا يأتي نتيجة هفوات كلاميّة، بل يأتي نتيجة كشف أسرارٍ وفضح مخطّطات.
إن الجلسة الآتية للحكومة مفصليّة وحادّة للغاية، لأن مجال تدوير الزوايا للمطلوب منها دوليّاً بات غير قابل للتدوير، وعندما تنتقل السياسات الدوليّة إلى عدم التدوير بل الحسم، يعني أننا دخلنا في مرحلة النار والحديد، بمواكبة من أطرافٍ سياسيّين داخليّين وخارجيّين ستكون تلك الخيارات كارثيّة عليهم، فكيف يمكن أن تُحلّ إشكاليّة السلاح خلال جلسة وزاريّة، بين أطرافٍ تستشعر نهاياتها، الرئاسيّة، أو الحكوميّة، أو السياسيّة، أو المحوريّة، أو الوجوديّة؟