"ليبانون ديبايت" - فادي عيد
عندما بدأ "حزب الله" جدولة لقاءات "لمّ شمل" حلفائه على امتداد العقود اللبنانية، لم يأخذ في الإعتبار إلاّ سلسلة المواقف التي توالت على لسان بعضهم في الآونة الأخيرة حول حقّ الدولة في احتكار السلاح، وفي الدفاع عن كل الأراضي اللبنانية بعد بسط سلطتها الكاملة. إنما أتى قرار مجلس الوزراء ليفرض نفسه أولويةً إضافية تصبّ في إطار تعزيز الموقف من مسألة السلاح برمتها، وليس فقط في تفاصيل الإستراتيجية الدفاعية للدولة، والتي لطالما كانت تحمل ضمناً الإطار السياسي أو تؤمن الغطاء للسلاح.
وإذا كانت الظروف السياسية التي أملت على الحزب هذا التحرك باتجاه حلفائه، قد تغيّرت بعد قرار الحكومة الأخير وانسحاب وزراء "الثنائي الشيعي" الخمسة من جلستين حكوميتين على التوالي، فإن هذا الإستنفار باتجاه الداخل الذي أظهره الحزب، سيستمرّ في المرحلة المقبلة وبوتيرةٍ متسارعة، ليتطوّر ككرة ثلج يريدها الحزب أن تتدحرج في وجه الحكومة وكل القوى السياسية التي تدعم وتؤيد قرار "حصرية السلاح".
وبذلك، وبالتوازي مع تصعيد قراره بتوسيع النطاق الجغرافي لاعتراضات مناصريه الليلية، يعمد الحزب إلى تأمين المظلة السياسية لحركته الإعتراضية في الشارع من جهة، ومن جهةٍ أخرى، من أجل نفخ الروح في محور الممانعة الذي انفرط عقده بعد الحرب، وبنتيجة سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، والحرب الأميركية ـ الإسرائيلية على إيران.
وفي الوقت الذي كان يسود الإعتقاد لدى العديد من القوى المحلية، أن الحزب يلتقط أنفاسه ويعيد تنظيم قوته وحضوره السياسي وتحصين جبهته الداخلية، بعدما دخلت الحكومة في دائرة المراوحة في تنفيذ التزاماتها تجاه اللبنانيين أو تجاه أصدقاء لبنان في الخارج، قرّرت الحكومة وضع حدٍ للمرحلة السابقة وتحريك الركود في كل المجالات، وتفادي أي انهيار مالي واقتصادي واجتماعي نتيجة تجميد المساعدات الدولية وكل مشاريع الدعم الخارجية، كما من أجل الحؤول دون أي سيناريو حربٍ إسرائيلية جديدة.
وإزاء هذه المعطيات، كان قرار الحزب بالتحرّك على جبهتي الشارع والحلفاء، وهو قرارّ تقرأ فيه مصادر نيابية سيادية، محاولةً لضبط إيقاع العمل الحكومي من خلال التلويح بخيار فوضى الشارع، رداً على "حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية فقط"، ورغبةً واضحة في ترميم علاقاته مع قوى سياسية كان قد ابتعد عنها في العامين الماضيين، فابتعدت بدورها وتمايزت في مواقفها عن خطابه وومفرداته القديمة حول السلاح و"المقاومة" وحماية لبنان من العدو الإسرائيلي.
لكن "زمن أول تحوّّل" تقول المصادر النيابية، التي تروي ل"ليبانون ديبايت" أن الإنفتاح الإجتماعي والبروتوكولي الذي أبداه حلفاء الحزب على عملية ترميم الجبهة وتصحيح العلاقات، بقي في إطار الموقف المبدئي من حق لبنان بمقاومة عدوٍ يُجمع كل اللبنانيين على مقاتلته، إنما تحت سقف الشرعية اللبنانية والقوانين والإستراتيجية الدفاعية للدولة وليس للحزب وحده.
وفي خلاصة حراك "حزب الله" الهادف إلى توسيع محوره وتكريس حضوره السياسي، لم ترَ المصادر النيابية، أنه توصل إلى التموضع مجدداً وسط اصطفافٍ متنوعٍ سياسياً وحزبياً وطائفياً، بل على العكس، فهي وجدت أن واقعية حلفائه قد وضعت أمامه حقائق ومعطيات جديدة، وتركت له الباب مفتوحاً من أجل إعادة مراجعة حساباته، رغم خطابه التصعيدي الأخير، وهو ما قد يُترجم بقراره غير المعلن بالبقاء في حكومة الرئيس نوّاف سلام حتى إشعارٍ آخر.