تواجه إسرائيل انقساماً غير مسبوق بين القيادة السياسية والعسكرية على خلفية خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحتلال مدينة غزة بالكامل، في خطوة تعكس تصاعد التوتر بين متطلبات الأمن القومي والحسابات السياسية.
وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، عرض نتنياهو على قادة الجيش خطة سريعة وحاسمة للسيطرة الكاملة على غزة، مدفوعاً بضغوط من أجنحة اليمين المتشدد في حكومته، التي ترى في الاحتلال الشامل حلاً نهائياً لوجود حركة "حماس". لكن كبار الضباط في هيئة الأركان اعترضوا بشدة، محذرين من أن أي عملية واسعة النطاق من دون خطة لما بعد الحرب قد تتحول إلى مستنقع عسكري وسياسي شبيه بتجربة لبنان عام 1982.
وأوضح القادة العسكريون أن السيطرة على مدينة مكتظة بالسكان مثل غزة ستتطلب انتشارًا طويل الأمد لعشرات آلاف الجنود، مع احتمالات مرتفعة للخسائر البشرية نتيجة القتال في بيئة حضرية معقدة. وأشار التقرير إلى أن الخطة، في حال تنفيذها، ستواجه انتقادات من حلفاء رئيسيين لإسرائيل، بينهم الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، خشية تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، ما قد يضاعف الضغوط على الحكومات الغربية للتدخل أو فرض قيود على الدعم العسكري لإسرائيل.
ووفق التقرير، تم التوصل إلى صيغة وسط تقضي بتوسيع السيطرة الإسرائيلية في غزة بنسبة 10% فقط خلال المرحلة الحالية، مع إعادة تقييم الخطط بناءً على التطورات الميدانية. لكن هذا الحل المؤقت لا يُخفي الانقسام العميق بين القيادة السياسية والعسكرية، الذي قد يتجدد مع أي تصعيد.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن العملية التدريجية ستشمل أقل من نصف الفرق الخمس المطلوبة للاحتلال الكامل لغزة، على أن يبدأ الغزو البري ببطء بعد إجلاء نحو مليون من السكان، كثير منهم نزحوا عدة مرات، وذلك بحلول أيلول القادم. ويعكس القرار تراجعًا من جانب نتنياهو بعد أقل من 12 ساعة من تصريحه لقناة "فوكس نيوز" بعزمه استعادة غزة بأكملها، التي كانت إسرائيل قد احتلتها بين عامي 1967 و2005.
ورغم أن التراجع أثار استياء حلفائه في اليمين المتطرف، إلا أنه أكد استمرار نفوذ كبار قادة الجيش الإسرائيلي في مواجهة نتنياهو، الذي دخل في خلافات مع جنرالات الجيش أكثر من أي رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل.
وأوضح نمرود نوفيك، مستشار رئيس الوزراء الأسبق شمعون بيريز وزميل "منتدى السياسة الإسرائيلية" في نيويورك، أن المؤسسة الأمنية "دفعت رئيس الوزراء إلى تقليص نطاق الخطة بشكل كبير"، مشيرًا إلى أنه لو قرر مجلس الوزراء فرض الاحتلال الكامل على قادة الجيش، لكانت تلك أول مرة يتجاهل فيها المستوى السياسي القرار العسكري المهني بالإجماع.
وفي إسرائيل، تُعد الصدامات بين القادة المدنيين والعسكريين أمراً مألوفاً، وغالباً ما تنتهي بانتصار القادة العسكريين. وقبل أكثر من عقد، نجح رئيس "الموساد" ورئيس أركان الجيش في إحباط طلب نتنياهو بضرب البرنامج النووي الإيراني.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير سابق، طلب عدم الكشف عن هويته، إن القلق يتزايد لدى بعض الضباط من أن الحرب المطولة قد تلحق ضررًا طويل الأمد بمكانة إسرائيل. وأضاف أن كبار مسؤولي الدفاع شعروا بالقلق الأسبوع الماضي عندما أعلنت ألمانيا، الحليف الوثيق، وقف تصدير المعدات العسكرية التي يمكن استخدامها في غزة، بما في ذلك محركات دبابات "ميركافا" والمركبات المدرعة الإسرائيلية. وتوقع أن الجيش قد يقاوم، قدر الإمكان، أوامر الحكومة المتشددة، بحسب تقرير الصحيفة الأميركية.