أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقابلة مع قناة i24 العبرية في 12 آب 2025، نقلها موقع "تايمز أوف إسرائيل"، أعلن فيها أنه يعتبر نفسه في "مهمة تاريخية وروحية"، مؤكداً ارتباطه الوثيق بـ"رؤية إسرائيل الكبرى". هذه الرؤية، التي بلورتها الأوساط الصهيونية عقب حرب حزيران 1967، لا تقتصر على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل تمتد لتشمل أجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر. وردّاً على سؤال حول ما إذا كان يؤدي "مهمة نيابة عن الشعب اليهودي"، قال نتنياهو إنها "مهمة أجيال تحمل إرث اليهود الذين حلموا بالعودة إلى أرض إسرائيل، ويواصلون مشروعهم التاريخي جيلاً بعد جيل".
تصريحات نتنياهو الأخيرة تعكس ما يمكن وصفه بـ"مثلث الأيديولوجيا النتنياهوية" الذي تكوّن عبر ثلاثة روافد عائلية شكلت وعيه السياسي والفكري: الجد المتدين الصهيوني، الأب التنقيحي التوسعي، والشقيق العسكري الرمزي. فجده ناتان مليكوفسكي كان من أوائل دعاة الصهيونية الدينية، قريباً من الحاخام أبراهام كوك وزئيف جابوتنسكي وديفيد بن غوريون. رفض خطة أوغندا التي طُرحت كوطن بديل لليهود، معتبراً أنها خيانة لتضحيات أجيال اليهود في سبيل فلسطين. وعند وفاته دُفن في جبل الزيتون بالقدس، فيما وصفه نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس" بأنه من أبرز المبشرين بالحركة الصهيونية الذين جسّدوا الإيمان بالفعل لا بالقول عندما هاجر مع عائلته إلى فلسطين عام 1920.
أما والده بن تسيون نتنياهو، فقد بدّل اسم العائلة من مليكوفسكي إلى "نتنياهو" ضمن سياق قومي عبري، وانخرط في صفوف التيار التنقيحي بزعامة جابوتنسكي، حيث تبنى عقيدة "الجدار الحديدي" التي ترى أن فرض التفوق العسكري هو السبيل لانتزاع اعتراف العرب بالوجود اليهودي. كان معارضاً بشدة لقرار التقسيم عام 1947، وعبّر عن رفضه بنشر إعلان صادم في نيويورك تايمز بعنوان "التقسيم لن يحل مشكلة فلسطين".
أما شقيقه الأكبر يوناتان (يوني) نتنياهو، الضابط في وحدة النخبة "سايريت متكال"، فقد قُتل في عملية عنتيبي عام 1976، وتحول إلى رمز بطولي في الوعي الإسرائيلي. شكل مقتله نقطة تحول في مسار بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر إرث شقيقه جزءاً لا يتجزأ من مشروعه السياسي، وأصدر مع شقيقه عيدو كتاب "رسائل يوني" الذي صاغ صورة أخيه كمكمل لتراث المكابيم وباركوخبا في النضال اليهودي.
من خلال هذا المثلث – الجد المتدين الصهيوني، الأب التنقيحي التوسعي، والشقيق العسكري الرمزي – تبلورت شخصية نتنياهو السياسية التي تقوم على ثلاث ركائز: النزعة الدينية القومية، الرؤية التوسعية لإسرائيل الكبرى، والإيمان بالتفوق العسكري كشرط للبقاء. وبذلك تصبح تصريحاته الأخيرة، التي يربط فيها بين "المهمة التاريخية" و"رؤية إسرائيل الكبرى"، امتداداً طبيعياً لجذور أيديولوجية متأصلة في إرثه العائلي، وتعكس إصراره على رفض تقديم تنازلات سياسية والسعي لفرض وقائع ميدانية تجسد هذه الرؤية.