"ليبانون ديبايت"
رغم أنّ "القوات اللبنانية" دأبت على التغنّي بشعارات الشفافية وحسن الإدارة، ووعدت اللبنانيين مرارًا بأنها ستنقذ قطاع الكهرباء وتضع حدًا لعقود الفشل، إلا أنّ واقع وزارة الطاقة تحت وصايتها لا يختلف عن نهج من سبقها. فالوزير الحالي جو الصدّي لم يكتفِ بالتغاضي عن أخطر فضيحة في ملف الفيول، بل واصل سياسة التغطية التي لطالما انتقدتها "القوات" في خصومها. وبدل أن تكون الوزارة نموذجًا للحوكمة الرشيدة كما وُعِد اللبنانيون، تحوّلت إلى مسرح لفضائح موصوفة، تُدار بذات الأسلوب الذي راكم الهدر والفساد وأغرق البلاد في العتمة.
وبعد أكثر من أسبوع على افتضاح جريمة التزوير والغش في ملف ناقلة Hawk III، لا تزال وزارة الطاقة غارقة في التستّر والتواطؤ، رافضة القيام بأبسط موجباتها التي يفرضها عقد الشراء العام. والأدهى أن وزير الطاقة جو الصدّي يواصل غضّ النظر وكأن الفضيحة لا تعنيه، في موقف يثير الريبة ويضعه في موقع الشريك في التستّر بدل المحاسبة.

العقد العام يمنع بشكل صارم أي عملية تحميل من ميناء بحري (Offshore Port Loading)، ويشترط أن تتم عمليات التحميل في مرافئ فقط وليس موانىء بحرية offshore، وإلا يُحظر الدفع للناقلة ويُرفض قبولها كليًا. ومع ذلك، تكشف بيانات التتبع الآلي للسفن (AIS) التي حصل عليها "ليبانون ديبايت" أنّ الناقلة لم تدخل مرفأ مرسين التركي إطلاقًا، بل توقفت على بُعد أكثر من 8 كيلومترات في عرض البحر، حيث رست قرب ميناء تحميل بحري (OPL – Nergis Petrol Buoys). هذه الحقيقة وحدها، وبمعزل عن الحمولة الروسية المزوّرة، تكفي لإدانة الشركة ورفض الناقلة ووقف أي دفعة مالية متصلة بها.

حتى بعد ضبط الناقلة وحجزها قضائيًا، كان يفترض أن تبادر وزارة الطاقة، استلحاقًا لإهمالها الفاضح، إلى مراجعة حركة الـAIS والتأكد من موقع التحميل. لكن الوزارة لم تفعل. لم ترفض الناقلة، لم تصادر كتاب حسن التنفيذ، لم تفسخ العقد، ولم تمنع الشركة من أي تعاقد لاحق. هنا، يتحوّل الصمت إلى تواطؤ، ويصبح موقف وزير الطاقة جو الصدّي أقرب إلى التستّر على جرم مكتمل الأركان. فالتغاضي عن مخالفة جوهرية منصوص عليها بوضوح في العقد لا يمكن تبريره بالتقصير أو الجهل، بل يرقى إلى مستوى المشاركة في حماية الفساد وتحصينه.
فضيحة Hawk III لم تعد قضية ناقلة مشبوهة، بل مرآة لوزارة مشلولة تتقن التستّر أكثر مما تتقن الرقابة. فمجرد رسو الناقلة في ميناء بحري محظور تعاقديا كان كافيًا لرفضها فورًا، لكن الوزير الصدّي اختار الصمت، وترك باب الفساد مشرّعًا على مصراعيه.

بعد مرور أكثر من أسبوع على الفضيحة، لم يعد هناك مجال للتأويل: الشركة زوّرت منشأ الشحنة، الناقلة لم تدخل مرفأ مرسين بل حمّلت من ميناء بحري محظور، والوزارة تجاهلت الوقائع، ووزيرها جو الصدّي يتغاضى عن الفضيحة كأنها لا تعنيه. إنها ليست فضيحة ناقلة فحسب، بل فضيحة وزارة متواطئة ووزير مسؤول يفضّل الصمت المريب على حماية المال العام.
قضية الناقلة HAWK III تفجّرت بعد إخبار تقدّم به المهندس فوزي مشلب، وأثبتت تحقيقات المديرية العامة للجمارك أن الناقلة لم تُحمّل الفيول من مرفأ مرسين التركي كما زُعم، بل من روسيا، عبر عملية تزوير شملت مستندات رسمية وتلاعبًا ببيانات التتبع (AIS). الشركة المورّدة Sahara Energy DMCC متهمة بارتكاب مخالفات جسيمة تبدأ بالتزوير واستعمال المزوّر، مرورًا بخرق عقد الشراء العام الذي يمنع التحميل من موانئ بحرية (Offshore Port Loading)، وصولًا إلى هدر المال العام والإثراء غير المشروع. الفارق في التسعير كشف حجم الفضيحة: 45 دولارًا لبرميل الفيول الروسي مقابل 70 دولارًا سُجّل على أساس أنه تركي، أي نحو 7 ملايين دولار هدرت من أموال اللبنانيين.
ورغم وضوح المخالفة، لم تُقدم وزارة الطاقة على فسخ العقد أو الحجز على كفالة حسن التنفيذ أو منع الشركة من التعاقد مجددًا، ما أثار اتهامات مباشرة للوزير جو الصدي بالتغاضي عن جريمة موصوفة. الملف اليوم أمام القضاء، وسط دعوات عاجلة من الأوساط القانونية والسياسية لاتخاذ إجراءات فورية، خصوصًا أن القضية تتضمن جرائم تزوير وغش وتهريب وهدر للمال العام، وتضع الحكومة أمام مسؤولية تاريخية في مواجهة واحدة من أخطر فضائح القطاع.