التحوّل في موقف الحاكم
عند تسلمه مهامه، بدا حاكم مصرف لبنان كريم سعيد متحمّسًا — وتحت ضغط دولي واضح — لاتخاذ خطوات لمحاصرة مؤسسات مرتبطة بـ"حزب الله" ماليًا، وفي مقدّمتها جمعية القرض الحسن. لكنّ هذه المقاربة الصارمة لم تدم طويلاً، إذ عاد الحاكم اليوم ليتنصّل من المسؤولية، ملقيًا بالعبء على الدولة اللبنانية والوزارات المختصة، في خطوة أثارت تساؤلات عن خلفيات هذا التراجع.
رد على تحميل المسؤولية
مصدر مطّلع أوضح لـ"ليبانون ديبايت" أن البيان الصادر عن مصرف لبنان اليوم جاء كرد مباشر على ما نُقل عن وزير المالية ياسين جابر، الذي أشار إلى أن المصرف هو الجهة المعنية بملف "القرض الحسن". وبحسب المصدر، فإن مصرف لبنان يعتبر أن إصدار التعميمات يقع ضمن صلاحياته، لكن تنفيذها الفعلي من مسؤولية الدولة، وتحديدًا الوزارات والمؤسسات التي تملك أدوات التدخل، سواء من الناحية الأمنية أو القضائية أو الرقابية.
تذكير بتعميم 170 وإجراءات سابقة
وكان مصرف لبنان قد أصدر بتاريخ 15 تموز الماضي التعميم رقم 170، الذي حظر على المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة وهيئات الاستثمار الجماعي، القيام بأي نوع من التعامل المالي أو التجاري – بشكل مباشر أو غير مباشر – مع مؤسسات وجمعيات غير مرخّصة، ومن بينها "جمعية القرض الحسن" و"شركة تسهيلات ش.م.م."، إلى جانب كيانات أخرى مدرجة على لوائح العقوبات الدولية.
واللافت أن الحاكم سعيد لم يكتفِ حينها بالتعميم، بل استبقه إلى إجراء تحقيق شخصي، ووجّه كتابًا رسميًا إلى وزير الداخلية العميد أحمد الحجار، يستوضح فيه الوضع القانوني لجمعية "القرض الحسن"، مطالبًا بتقديم توضيحات حول مدى التزامها بتقديم الوثائق القانونية اللازمة بشكل دوري.
وقد أظهرت الردود الرسمية من وزارة الداخلية أن الجمعية تلتزم بالقوانين، وتقدّم محاضر شفافة حول تعاملاتها، وهو ما بدا وكأنه تبرئة ضمنية للجمعية من أي خروقات قانونية واضحة، على الأقل ضمن المعايير الرسمية المعتمدة حتى اللحظة.
لكن اليوم، بعد تصريحات وزير المالية، خرج الحاكم ببيان حاسم، جاء فيه أن "أي هيئة أو منظمة خاضعة لعقوبات دولية، وغير مرخّصة من مصرف لبنان، لا تخضع لسلطته، وتقع مسؤولية التعامل معها أو إقفالها على الوزارات المعنية فقط".
وشدّد البيان على أن مصرف لبنان لا يملك صلاحيات تنفيذية تجاه هذه الكيانات، وأن أي حديث عن دور مباشر له في هذا المجال هو تحميل له مسؤوليات لا يجيزها قانون النقد والتسليف.
التراجع الحاد في موقف الحاكم يطرح علامات استفهام عديدة:
• إذا كان مصرف لبنان غير معني بالتنفيذ، لماذا سارع إلى التحقيق في ملف "القرض الحسن" بنفسه؟
• وإذا كانت هذه الجمعيات خارج صلاحياته فما مبرر التعميم رقم 170 أصلًا.
• واذا كان لمصرف لبنان شبهات عن تعامل هذه المؤسسات لماذا لم يلجا الى القضاء.