كشفت معلومات خاصة لصحيفة «الشرق الأوسط» أنّ مسؤولًا عراقيًا بارزًا تلقّى أواخر آب 2025 رسالة من جهة إيرانية نافذة، تطلب فيها تسهيلات «غير عادية» عبر معبر القائم الحدودي بين العراق وسوريا، بهدف تمرير شحنات أموال ضخمة إلى «حزب الله» اللبناني. وبحسب المسؤول، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لحساسية الملف، فإنه «رفض الاستجابة للطلب بسبب التعقيدات الأمنية والسياسية التي قد يجرها».
المصادر المتقاطعة أوضحت أنّ محاولات إيران تكثفت في الأسابيع الماضية لإرسال مساعدات مالية إلى الحزب الذي يواجه ضغوطًا متصاعدة بفعل خطة نزع السلاح التي يناقشها لبنان مع شركائه الدوليين. ورغم ضبط محاولات تهريب متفرقة في سوريا ولبنان، فإن بعض الشحنات يُعتقد أنها وصلت بالفعل، بفضل شبكة قديمة من المهربين تضم عناصر من فصائل مسلحة، وفلول من «داعش»، وحتى شخصيات مرتبطة بالنظام السوري السابق.
ووفق المسؤول العراقي، فإن الإيرانيين طمأنوه بأن لديهم «شبكات توصل الأموال حتى دمشق»، مؤكدًا أنّ «المطلوب من بغداد فقط تمرير الأموال عبر المعبر الرسمي»، في خطوة فسّرت بأنها محاولة لضمان نقل مبالغ كبيرة دفعة واحدة بعيدًا عن الممرات غير الشرعية المكشوفة للرصد الأميركي والإسرائيلي.
في المقابل، كشفت مصادر عراقية أنّ لجوء طهران إلى معبر رسمي يعكس صعوبات متزايدة تواجهها في مسارات التهريب التقليدية، نتيجة الرقابة الجوية المكثفة في منطقة البوكمال – القائم، التي باتت تُعرف بـ«ملعب المسيّرات الأميركية».
لبنان لم يكن بعيدًا عن هذه التطورات. فمصادر سياسية في بيروت أكدت أنّ «حزب الله» أظهر تصلبًا أكبر مؤخرًا إزاء خطة نزع السلاح، بعدما كان يوحي سابقًا بتسهيل النقاش. ويُعزى ذلك، وفق مراقبين، إلى احتمال حصوله على دعم مالي جديد، سمح له بترتيب أولويات صرفياته بين احتواء نقمة قاعدته الشعبية وتعزيز قدراته العسكرية.
وكان السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام قد أبلغ نوابًا لبنانيين الشهر الماضي أنّ واشنطن «تمتلك معلومات عن وصول ملايين الدولارات إلى حزب الله عبر قنوات تحويل وطرق تهريب»، مؤكّدًا أنّ بلاده تتابع بدقة مسارات التمويل الإيرانية. وسبق لوزارة الخزانة الأميركية أن شددت في بيانات متكررة على تنفيذ أوامر مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«قطع شرايين تمويل إيران لحزب الله»، مذكّرة بتقديرات وزارة الخارجية عام 2022 التي تحدثت عن تمويل سنوي يصل إلى 700 مليون دولار.
مصادر أمنية لبنانية اعترفت بدورها بصعوبة ضبط الحدود السورية – اللبنانية، خصوصًا في الشمال حيث يسهل عبور النهر الكبير، رغم محاولات الجيش اللبناني إقفال الممرات غير الشرعية عبر حفر خنادق ورفع سواتر.
في المحصلة، وبينما تضيق هوامش المناورة أمام طهران في بغداد وسوريا، يبدو أنّها تراهن على ابتكار قنوات مالية جديدة لإبقاء حزب الله صامدًا، في وقت يُنظر فيه إلى أي ضخ مالي إضافي على أنه تمهيد لمعارك سياسية وأمنية أكثر سخونة في لبنان والمنطقة.