“ليبانون ديبايت”
في الوقت الذي كان فيه الشعب اللبناني يعيش أصعب لحظات الذل على أبواب المصارف، وفي الوقت الذي كان فيه مرضى السرطان يموتون بسبب تأخّر المصارف في تحويل الأموال اللازمة لاستيراد الأدوية، وفي الوقت الذي كان فيه طلابنا يُطرَدون من أهم جامعات العالم بسبب رفض المصارف تحويل أقساطهم إلى الخارج، كان أحد رجال الأعمال النافذين، والمعروف بـ”أخطبوط المصارف”، منشغلاً بشراء عقار في أرقى أحياء العاصمة الفرنسية باريس، بالإضافة إلى 23 شقة فاخرة في بيروت وضواحيها، وكل ذلك حصل في العام 2020، في عزّ الأزمة المالية والمصرفية.
ويعرض “ليبانون ديبايت” صورة العقار الباريسي الفاخر الكائن في قلب الدائرة السادسة عشرة (16th arrondissement)، وهي من أكثر المناطق رقياً في العاصمة الفرنسية، حيث تحتضن أفخم المباني الباريسية الكلاسيكية، وتُعد مقراً للبعثات الدبلوماسية وعدد من كبار رجال المال والسياسة، فضلاً عن كونها من أغلى المناطق السكنية في أوروبا. شراء عقار في هذا الشارع تحديداً لا يعكس فقط حجم الأموال الموظّفة، بل يكشف بوضوح عن مستوى البذخ الذي وصل إليه “أخطبوط المصارف” على حساب المودعين.

استعمل “أخطبوط المصارف” لهذه الغاية بعض الأموال التي جناها عبر استغلال سطوته على بنك الاعتماد المصرفي، وعلاقته بمصرف لبنان، والحماية التي أُمنت له من إحدى المرجعيات الكبرى لإجراء عمليات “سواب” بملايين الدولارات، مستخدماً أسماء مستعارة عُرفت باسم “Special Group MH”. وقد أدت هذه العمليات إلى حرمان المودعين من حصصهم، ومضاعفة حصته الشخصية التي تجاوزت وحدها الحصص التي تكفي لتسديد حقوق أكثر من 2000 مودع شهرياً.

وتكشف معلومات “ليبانون ديبايت” أن مجموعة من الحقوقيين اللبنانيين تستعد لتقديم المستندات والوثائق المتعلقة بهذه العمليات، مرفقة بملف كامل خلال الأيام المقبلة، إلى منظمة “شيربا”، وهي منظمة فرنسية غير حكومية معروفة بخوضها معارك قضائية ضد الفساد المالي وجرائم المال العام على المستوى الدولي. وقد لعبت “شيربا” دوراً أساسياً في ملاحقة قضايا فساد كبرى تخص مسؤولين سياسيين ورجال أعمال في أكثر من بلد، ما يجعل انتقال الملف إلى عهدتها خطوة نوعية، ويضع الفاعلين تحت مجهر المحاكم الأوروبية، بما قد يترتب عليهم من ملاحقات قضائية جدّية خارج لبنان.

ويبدو أن كل هذه التحويلات والعمليات العلنية والمفضوحة قد وصلت إلى علم الجميع داخل المصرف وخارجه، ولكنها لم تصل، على ما يبدو، إلى علم المدير المؤقت فادي جبران، ولا إلى المدقق الجنائي مايك أبو جودة، الذي زعم أنه دقّق في كل حسابات المصرف على مدى عام ونصف العام. كما أنها لم تصل أيضاً إلى علم لجنة الرقابة على المصارف، ولا إلى علم القاضي بلال حلاوي.